الأتراك في التاريخ العربي..

جاءوا مماليكَ وتنمروا
على العرب بعد تحررهم

عرف الأتراك العرب أول مرة في العصر العباسي، حينما عملوا لدى العباسيين جنودًا وتابعين، ومع مرور الوقت، زوَّجوا التركيات للخلفاء والوجهاء من كبار القوم، فتكاثروا في جيوش الدولة، فأصبحوا القومية الثانية بعد العرب لتكاثرهم، حتى قيل إن الخليفة المعتصم بالله استكثر منهم، إذ بلغ عدد عبيده الأتراك الذين كان يملكهم 20 ألف تركييٍّ. لكن ما أن تحرروا من العبودية وأقام الأتراك دولتهم في إسطنبول تَنَكَّروا لكل ما هو عربي، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا “تتريك” كل ما له صلة بالدين والحياة وطمس الملامح العربية في حياة الشعوب الخاضعة لهم في القارات الثلاث التي سيطروا عليها، في خطوة انتقامية.

غزا العثمانيون 3 قارات بواسطة "العربية" ثم انقلبوا عليها

وأثبتت الوقائع والأحداث تعالي الأتراك وفوقيتهم العرقية، ضمن منهجية مدروسة وعقيدة راسخة، وإن كان التتريك قد أصبح أكثر وضوحا بعد وصول القوميين الأتراك إلى سدة الحكم بعد الانقلاب العثماني على عبدالحميد الثاني بواسطة جمعية الاتحاد والترقي إثر توليها السلطة عام 1908م، بمؤازرة ومساعدة من العرب المتمثلين في الجمعيات القومية التي انتشرت في عواصم الدول العربية بدءًا من 1842م، واستمرت في المطالبة بالاستقلال عن الدولة العثمانية بعد تطور أعمالها وتحديث أفكارها.

ظهرت جمعية الاتحاد والترقي التركية إلى السطح نتيجة انبعاث القومية الطورانية للأتراك بدافع من التأثر بالمحافل الماسونية التي دخلت إلى تركيا في 1717م عبر تأسيس جمعية لها في إسطنبول ثم تأثرت لاحقًا بروح الثورة الفرنسية. 

بالإضافة إلى نبع الكُره المتأصل لدى الدولة العثمانية بكراهية الثقافات الأخرى، من ديانة الإسلام التي تدعو إلى التعارف بين القبائل والشعوب والتواد والرحمة والمساواة بين الجميع، في المقابل اتخذت إسطنبول سياسة الإقصاء والتَنَمُّر على الثقافة العربية، رغم أنها كانت أهم وأكبر أسلحتها لغزو العالم العربي وغيره من الأقاليم، ويحتمل أنها انتشت بثقافتها بعد تعدد انتصاراتها وتلبسها الوهم بتمجيد الذات، إلى أن أصبح الإيمان بالله والاستسلام له سبحانه وتعالى عندهم لا يكون إلا بالإيمان بكل المبادئ التركية وتطبيقها.

نكثوا العهد مع العرب لإحساسهم بالضعف الثقافي والتاريخي

وعلى الرغم من وقوف العرب مع الاتحاديين الأتراك للتخلص من التسلط والسيادة المطلقة للسلطان عبدالحميد الثاني (1909م) إلا أن القوميين الأتراك نكثوا العهد مع العرب لإحساسهم بالضعف الثقافي أمام الثقافة العربية والأقلية التاريخية مقابل التاريخ العريق للعرب، ولتأكدهم في قرارة أنفسهم أنهم جاؤوا من أواسط آسيا إلى العالم العربي دون مرجعية ثقافية قوية، لا سيما أنهم انصهروا في الثقافة العربية كونها الأقوى والأوسع.

1. سعيد برجاوي، الإمبراطورية العثمانية.. تاريخها السياسي والعسكري (بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، 1993م).

2. طلال الطريفي، العثمانيون- ما كان حديثا يفترى (الرياض: دار ائتلاف للنشر والتوزيع، 1441هـ / 2020م).

3. محمد العمراني (ت: 580هـ/1184م)، الإنباء في تاريخ الخلفاء، تحقيق: قاسم السامرائي (القاهرة: دار الآفاق العربية، 2001م).

4. محمد الذهبي (ت:748هـ/1347م)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر التدمري، ط2 (بيروت: دار الكتاب العربي، 1993م).