الهوية العربية

في العهد العثماني

رزحت منطقتنا العربية تحت ظل الحكم العثماني منذ بدايات القرن الخامس عشر الميلاد ي، فشهدت خلالها أشكال من الادارة المباشرة وغير المباشرة وبأنواع مختلفة من التسميات الادارية لمناطقنا العربية وذلك بحسب التصورات والأفكار السائدة التي تصدر من الآستانة، وتبع ذلك عدم وضوح وفهم واسع لبعض المصطلحات والتسميات للقوميات التي تقيم في المنطقة. ومن ذلك أن العثمانيين من الناحية اللغوية لم يدركوا الخصائص التعريفية للعرب بصورة واضحة، فالموظفين العثمانيين لم يكونوا متأكدين تماما من هم العرب بالإضافة إلى البدو، فمثلا تجد أن الذين كتبوا باللغة التركية العثمانية يقولون” عرب البدو ” والقاطنين في شبه الجزيرة العربية، وقد تعني لهم أيضا الأفارقة بسبب استيراد الأفارقة من أسواق القاهرة ؟! فمصطلح العرب لدى العثمانيين كان غير واضح المعالم تماما فعلى سبيل المثال قد تفاجأ الرحالة العثماني ” أوليا جلبي ” الذي زار في القرن السابع عشر الميلادي مدينة صيدا اللبنانية عندما سمع الإغريق الأرثوذوكس ” الروم” المقيمين في الميناء يتحدثون باللغة العربية (أربكا) أكثر من لغتهم الأم الرومية، فكان ذلك مثارا لاستغرابه ودلالة على عدم ادراكه أن اللغة العربية استوعبت الكثير من من استوطن بقاعها العربية. ويقاس هذا الأمر ايضا على فهم المصطلح الجغرافي للمنطقة العربية فمصطلح ” عربستان” استخدمه العثمانيون والذي كانوا يقصدون به بلاد العرب كوصف جغرافي لها، وفي الواقع لم تتضح صورة ذلك المصطلح إلا في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أُلفت بعض الكتب الجغرافية العثمانية المتخصصة تناولت جغرافية ممالك الامبراطورية أو بعض الرحلات السياسية التي تضمنت في تقاريرها مسحا جغرافيا لمناطق حدودية في منطقتنا العربية بشيء من الدقة، ونتج عنها كثير من الخرائط الجغرافية. والتي في عمومها تهدف إلى خدمة سلطة الدولة و تكريس سيطرتها على منطقتنا العربية. 

لقد عانت منطقتنا العربية كثيرا من ناحية اللغة الرسمية، ففي حين كانت اللغة التركية العثمانية هي لغة التخاطب الرسمية المستخدمة في العاصمة والأناضول والبلقان وفي دوائرها الحكومية، بينما في الأراضي العربية كانت اللغة هي لغة الوالي أو الحاكم المعين من أي قومية كان ، مما كان يحتاج إلى وجود مترجم خاص له، فصعب على الناس سهولة التواصل معه أو التعاطي مع الدوائر الحكومية فأثر ذلك بصورة كبيرة في الأوضاع العامة للناس وأوجد بون شاسع بين السلطة الحاكمة والشعب، ولاشك أن مثل تلك اللغة كانت تمثل واقع دخيل على المجتمع العربي آنذاك، وكان له أثره في حالة الاهتمام والحرص على اللغة العربية ونبذ ذلك الدخيل.

ومن جهة أخرى كان لتبنى الأتراك في الإمبراطورية الإيدلوجيا العثمانية والتي اعتمدتها الدولة منذ عهد التنظيمات 1839م، وسبقت إلى تأطيرها الجماعات والقوميات الاثنية في الإمبراطورية بغض النظر عن الهوية المتماثلة، ولكن الدوائر السلطوية لم تمتلك المعاني لكل المواضيع الاجتماعية التي كان يعيشها المواطن، ولذا فإن الإيديولوجية الرسمية للدولة لم تؤثر على نحو بارز لدى الجماعات غير التركية، ولهذا انقاد الأتراك لإبراز هويتهم من خلال البحث في القومية التركية ومحاولة إقناع الآخرين بها. وهو ما جعلهم يواجهون القوميات الأخرى ويصطدمون بذلك التوجه، ومنها أمة العرب التي أعلنت الرفض وعدم القبول وظهر ذلك في عدة صور ونماذج مثل الكتابات في الصحف المتنوعة باللغة العربية والتركية في السنوات الأخيرة من عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ومحاربة تمييع هويتهم العربية الأصيلة بشتى الوسائل الممكنة كإشعال فتيل اليقظة العربية، ونشر الوعي والثقافة العربية في المجتمع العربي، كإنشاء المدارس العربية المختلفة مثلما حدث في بلاد الشام ومصر وبروز رموز ثقافية عربية أسهمت بدورها في أحياء الثقافة العربية والمحافظة عليها والتي كان لها تأثير في معظم البلاد العربية ، إضافة إلى نشر الكتب العربية وطباعتها والمساعدة على وصولها للقارئ العربي ، ومن ذلك أيضا انشأ الصحف والجرائد العربية، مما أدى إلى خروج أجيال من المثقفين كان لهم السبق في الحفاظ على الهوية العربية خلال الحكم العثماني .