بتحالف الأكراد والقوى التركية المعارضة
انتخابات (2019) أثبتت ضعف قدرات الرئيس التركي الحالي
في اللحظة التي تذوق فيها طيب رجب أردوغان طعم الهزيمة في الانتخابات المحلية؛ ارتكب أول معاصي الديموقراطية، وهي إنكار النتائج، فقد سقطت إسطنبول المدينة السحرية لأردوغان وحزبه والتي حكمها لمدة عقدين من الزمان، لكن الصوت الكردي يبدو أنه حسم المعركة لصالح منافسيه، فلقد أعلن حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه أردوغان، رفضه للنتائج بإعادة الانتخابات في المدينة.
سياسة أردوغان ضد الأكراد جعلتهم يبطلون وصفته السحرية التي فاز بها قبل تسلمه الرئاسة.
أردوغان نفسه وصف الهزيمة في الانتخابات البلدية بإسطنبول بأنها “جريمة منظمة”، على إثر فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض بالانتخابات، ولقد نزل رئيس الجمهورية التركية من عرشه إلى أصغر دائرة انتخابية في إسطنبول ليعلن دعمه لفوز مرشح حزبه ومحاولة التشويش على فوز المعارضة.
فور انتهاء المعركة الانتخابية بفوز المعارضة في أكثر من مدينة تركية وعلى رأسها إسطنبول، خرج أردوغان عن طوره، لأن المؤشرات تدل على أن الأكراد كانوا الصوت الذي قلب معادلة الانفراد بالسلطة التي اختطفها أردوغان وحزبه في تركيا، وفي سعيها إلى الانتقام من الهزيمة الانتخابية لعام (2019) ولضرب اصطفاف المعارضة؛ شنت حكومة الرئيس التركي الحالي خلال الأسابيع التالية للانتخابات موجة اعتقالات تعسفية واسعة، هدفت منها أنقرة إلى زيادة الضغط على الأكراد وممثليهم السياسيين.
وصف موقع دويتشه فيله الألماني ما حصل في هذه الانتخابات التركية بدقة، عندما قال: “لقد أحدث حزب الشعب الديمقراطي (HDP) الموالي للأكراد الفارق في الانتخابات الكبرى الأخيرة في تركيا 2019، وبشكل خاص الانتخابات المحلية التي ساهمت في تأكيد سمعته باعتباره “صانعًا للملوك”.
وفي خطوة ذكية ساهمت في الهزيمة الانتخابية الأولى للرئيس التركي أردوغان وحزبه الحاكم، تمثلت في أن قيادة حزب الشعب الديمقراطي سحبت مرشحيها في بعض المدن وطالبت ناخبيها بالتصويت بدلاً من ذلك لمرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP)، فبدون الدعم الكردي، كان فوز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات في بعض المدن التركية غير وارد.
ووصف الموقع الألماني تلك الخطوة التي أفادت حزب الشعب الجمهوري المعارض لسياسات أردوغان، حيث سيدفع ثمنها الأكراد، وهو ما حصل فعليًّا في الأشهر القليلة التي تلت الاستحقاقات الانتخابية. فخلال أسابيع، تم اعتقال عشرات السياسيين والناشطين الأكراد.
لم يكن الموقف الكردي مفصولاً أبدًا عن الهمجية التركية في التعامل مع المناطق الكردية داخل سوريا أو حتى داخل تركيا نفسها، لقد وجد الكرد أن داعش وهي أداة عسكرية متطرفة تديرها المخابرات التركية تقتلهم من جهة والجيش التركي يقتلهم ويشردهم من الجهة الأخرى، فلم يجدوا غير أن يسمموا حياة اردوغان السياسية عبر التحالف مع كل معارضيه وأعدائه في الداخل التركي من أجل هزيمته، وهو ما حصل في انتخابات (2019).
نجحت أطياف المعارضة التركية، التي عمل أردوغان وحزبه على إذكاء نار الفتنة بينها وإبقائها منقسمة في حشد قواها ضد حكومة أردوغان. هكذا يصف محرر الشؤون السياسية في موقع دويتشه فيله الألماني، وقد ظهر ذلك جليًّا بشكل خاص في الانتخابات المحلية، حين وحَّدت أحزاب المعارضة -إسلاميين وقوميين وديموقراطيين اجتماعيين وليبراليين يساريين- رغم كل الخلافات السياسية قواها لأول مرة ضد “عدوها المشترك” أردوغان. وبذلك أصبحت تمثل وحدة المعارضة إلى جانب الأزمة الاقتصادية، أحد أكبر التحديات التي تواجه أردوغان للاحتفاظ بالسلطة.
أعقب نتائج الانتخابات حمى التخبط السياسي بحملة اعتقالات ضد المعارضة والأكراد.
إن أهم ما يميز الحياة السياسية التركية التي صبغها أردوغان وحزبه بشخصيتهما، هو الشكل القمعي والاستئصال المنظم لكل من يجرؤ على الوقوف في وجه الزعيم المتجبر الحالي. حيث يقدّر حزب الشعوب الديمقراطي -المختلط من أكراد ويساريين وقوميين- عدد معتقليه بنحو 20 ألف شخص، طالت حتى الرئيسين المشتركين للحزب سابقًا صلاح الدين دميرتاش، وفيغن يوكسكداغ، والسؤال الكبير هو كيف يمكن لمعارضة أن تقوم ورئيس الجمهورية التركية يقوم بسجن معارضيه بمن فيهم زعماء المعارضة؟ بينما يصف مراقبون للشؤون الكردية والتركية أن ما تقوم به أنقرة أشبه بحملة إبادة سياسية منظمة ضد الحزب الذي وإن كان ذي غالبية كردية، لكنه يمثل العديد من التوجهات والقوى الديمقراطية واليسارية التركية غير الكردية.
- كرم سعيد، تأمين الهيمنة: لماذا يسعي الحزب الحاكم – التركي- لتعديل قانون الأحزاب في تركيا، موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
- موقع DW الإخباري الألماني.
- موقع سكاي نيوز .
- موقع سي إن إن عربي.