90 ألف خطَّاط أخَّروا الطباعة

يذكر بعض المؤرخين أن المطبعة كانت موجودة، ولم تدخل إلى الدولة العثمانية في عام 1140هـ/ 1727م، بل قبل ذلك، وكان تاريخ طباعة المسلمين لكتبهم في أول مطبعة رسمية في ذلك العام، وأما اليهود في الدولة فقد أنشئوا مطابعهم منذ عام 893هـ/ 1488م!! يعني أن التواجد في الدولة وممارسة الحقوق والتقدُّم كان متاحًا لهم؟ تساؤل فقط.

 والأرمن في عام 973هـ/ 1567م، والروم في 1037هـ/ 1627م، وأنه طُبع 19 كتابًا في عهد السلطان بايزيد الثاني، و33 كتابًا في عهد السلطان ياووز سليم، وأجاز السلطان مراد الثالث بيع كتاب “أصول إقليدس” المطبوع بالأحرف العربية – وهو كتاب في الهندسة – بكل حرية بفرمان تم تأريخه في 996هـ/ 1588م.

ويذكر مصطفى نوري باشا أنه تم التقدم لاستخراج إذن بإنشاء مطبعة في عهد السلطان مراد الرابع، وكتب المؤرخ عطا – وهو مؤرخ مدرسة أندرون – فيقول: “إن أول محاولة لتأسيس مطبعة بدأت في عهد السلطان محمد الرابع، ولم تتحقق عمليًّا إلا في عام 1140هـ/ 1727م، وينكر علماء الدولة بعد البحث وتتبُّع ذلك أن يكون السلاطين ضد المطبعة.

تأخير الطباعة وتلفيق كتابة التاريخ كان ضد أن تطبع كتب بالأحرف العربية، وتأخرت إلى أن ظهرت في إسطنبول وفي حلب، وأن الدولة حسب كتابات تاريخية لم تكن مستساغة لدى الدولة بشكل رسمي.

يقول الكونت مارسيكلي بأنه كان هناك ما يقارب90 ألف خطاط في إسطنبول عام 1140هـ كنُسَّاخ ومُجَلِّدين وصُنَّاع الأقلام والأحبار ومَن شابههم، ووقوفهم ضد المطبعة كان له الأثر الأكبر في تأخير تأسيس المطبعة الرسمية، فلماذا إقحام الدين والعلماء واستصدار الفتاوى؟!

وذكر أيضًا أن الدولة بعد عهد السلطان سليمان القانوني أصبحت لا تُعِير اهتمامًا للتطورات الاقتصادية – سلال الغذاء وما يتبع ذلك كان كفيلًا – والعلمية المستحدَثة عالميًّا، ونجد أن الدولة دفعت أثمانًا باهظة نتيجة ذلك التعنُّت وإقحام الدين، وكان أنه قد حدث في أوروبا حادثة عام 907هـ/ 1501م، وهو أن أصدر البابا ألكسندر السادس أمرًا بحرق الكتب التي طُبِعت دون رُخَص، فكان ذلك مَدْعَاة إلى أن تتراجع الدولة في تعميم المطبعة.

يشير المؤرخون الغربيون إلى أسباب عدم استساغة الدولة بشكل رسمي، وهو دخول الدولة في عهد الركود والتراجع، ولم تستفِد من المخترعات الحديثة، وقد كان للخطَّاطين المرتبطين بمؤسسات الدولة دور سلبي، وتلك أسباب غير مبرَّرة.

ويؤكد مؤرخون آخرون وجود المطبعة، فمثلًا منذ عهد السلطان محمد الرابع – كما ذكر سابقًا – تم تأسيس مطبعة اسمها “مطبعة متفرقة”، سُمِّيت باسم مؤسِّسها إبراهيم متفرقة، ولكن لعدم تنضيد الحروف فيها بشكل جيد توقَّفَت عن العمل ولم تستمر.

وفي عهد السلطان أحمد الثالث بسعيٍ من الصدر الأعظم الداماد إبراهيم باشا، في عام 1131هـ/ 1720م أرسل السيد سعيد محمد جلبي سفيرًا من الدولة العثمانية لباريس، وشاهد التقدم والتطور في مجال الطباعة، وعند رجوعه شرح للمسؤولين من رجال الدولة الذين أسرعوا باتخاذ الإجراءات لتأسيس مطبعة، لا سيما وأن الدولة كانت تلاحق أوروبا في كل ما يمكن، وتؤكد رغبتها في أن تصبح ضمن منظومتهم.

تم كتابة اللوائح المتعلقة باسم “وسيلة الطباعة”، وتقديمها للصدر الأعظم عام 1139هـ/ 1726م، وتم التأكيد على عدم وجود أي موانع شرعية أو عقلية، وكتب شيخ الإسلام عندهم “يكي شهرلي عبد الله أفندي”: إن قيام الماهرين في صناعة الطباعة بالطبع بشكل صحيح ودون أخطاء وفي وقت قصير ودون مشقة سيؤدي إلى زيادة عدد نُسَخ الكتب وانتشارها بأسعار رخيصة، ولكن يجب تصحيح هذه الكتب من قِبَل العلماء.

ما يلفت الانتباه أن طباعة القرآن الكريم والكتب الدينية بدأ طباعتها في إيطاليا منذ عام 1514م، وقد أذن السلطان مراد الثالث بتداول تلك المطبوعات داخل المملكة العثمانية، على حد وصف مؤرخ عثماني، ويلخَّص تاريخ الطباعة في تاريخ الدولة بأنه لم تتأخَّر 272 عامًا، بل 33 عامًا فقط.

وما يجب قوله: إنه لا توجد أي خصومة بين الدين الإسلامي مع العلم.