كانت ثورة عبيدالله النهري حلمهم في الاستقلال
تحالف العثمانيون مع الفرس لإفشال الحلم الكُردي
عانت الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر من أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، وباءت محاولاتها الإصلاحية بالفشل، وزادت تلك الأزمات بعد حرب القرم (1854-1856) والحرب الروسية العثمانية (1887-1878)، اللَّتين أسهمتا في زيادة تدهور الأوضاع الاقتصادية حتى وصلت الدولة إلى حد الإفلاس. وأثّر ذلك في معظم ولاياتها وأقاليمها المختلفة، بما فيها أرض كردستان، التي كانت من قبلُ تعاني من السياسات العثمانية الجائرة نحوها، ومن سوء تصرف المسؤولين العثمانيين فيها، إضافة إلى حالة التهميش والإهمال وفرض الضرائب المتنوعة والتجنيد الإجباري لأبنائها.
ساءت أحوال الكُرد بعد اعتلال الدولة العثمانية عقب حرب القرم.
أثرت كل تلك العوامل مُجتمعةً في الحياة الاقتصادية للأكراد وعلى نظامهم المعتمد على الزراعة والرعي، فازدادت الأوضاع سوءًا وبؤسًا وانتشرت المجاعات وتبعها انتشار الأوبئة والأمراض.
لم تنفصل طبيعة الأكراد وحياتهم عن أراضيهم وصلاتهم العميقة والقوية بها، فهي التي تمدهم ومواشيهم بالقوت بزراعتها ورعيها، وجعلت تلك الطبيعة العنصر الكردي عنصرًا متشبعًا بحب الأرض ومرتبطًا بها ارتباطًا وثيقًا.
لقد كانت تلك العوامل والأوضاع البائسة التي عاشها الأكراد، مدعاة إلى تغيرات في وجهة نظرهم نحو الدولة العثمانية، فاتخذوا من ها موقفا سلبيًّا بل متطرفًا وعدائيًا في كثير من الأحيان، وتمثل ذلك في التمردات والثورات المتكررة ضدها، فشهدت كردستان العديد من الثورات ضد العثمانيين خاصةً بعد عام (1820)، كثورة أكراد الزازا، تلاها في الفترة ما بين (1829-1839) ثورات هكاري، وراوندوز، وطور عابدين، وثورة شريف خان البدليسي، إلا أن جميع تلك الثورات فشلت وترتب عليها سقوط معظم الإمارات الكردية حتى أصبحت في سنة (1847) ترزح تحت الحكم العثماني المستبد بشكلٍ مباشر.
الفقر، وبؤس الأوضاع المعيشية، والضرائب، والتجنيد الإجباري، جعل الأكراد يكرهون العثمانيين.
ازدادت الثورات الكردية وازداد معها العداء ضد الدولة العثمانية بعد الحكم المباشر لكردستان، وكانت معظم تلك الثورات في بداياتها تهدف إلى الاستقلال وتحقيق مبدأ الاحتفاظ بالأرض وخيراتها، ثم تطور ذلك المبدأ إلى فكرة الحكم الذاتي في إطار الدولة الأم، فكان هدف الأكراد الاستقلال في قرارهم وحكم أنفسهم بأنفسهم، من خلال ما كانت تغذيه أفكار زعماء القبائل الكردية، ولكن في نهاية القرن التاسع عشر حاولوا تقليل الاعتماد على زعماء القبائل من أجل الوصول إلى الفكرة القومية، وقتها تشكّل منهجٌ جديدٌ يؤصل القيم والأيديولوجية للقومية الكردية. فجاءت الانتفاضات الشعبية الواسعة التي قادها الشيخ عبيدالله بن طه النهري سنة (1880)، وهو أحد شيوخ الطرق الصوفية واسع النفوذ والانتشار والتأثير في عموم كردستان. وتعد ثورته من الثورات المهمة والأخيرة، فقد اندلعت الثورة في الأراضي الإيرانية المجاورة لمدينة شمدينان في منطقة جولميرك واستطاع أن يبسط سيطرته في الكثير من المناطق، بل شمل الكثير من المناطق الكردية. وامتلك الكثير من الأراضي بالإضافة إلى 200 قرية حصل عليها من السلطات العثمانية، والجزء الآخر ورثه من أبيه الشيخ طه. وهذا ما جعله ذا نفوذ واسع حتى أصبح من أفضل الزعماء الأكراد، فهو سليل أسرة شمدينان الكردية الشهيرة، التي كانت تحظى باحترام كبير بين أبناء المنطقة.
أرجع عدد من المؤرخين أهم أسباب اندلاع ثورة الشيخ عبيدالله النهري؛ إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في عموم المناطق الكردية، التي كانت من أهم مسببات الثورة، والسياسة الجائرة الظالمة التي استخدمتها الدولة العثمانية والإيرانية في المناطق الكردية، جعل ذلك كله عبيدالله راغبًا في حماية قوميته الكردية وعاملاً لتوحيد الأكراد في دولة مستقلة، وأصبحت هذه الفكرة شغله الشاغل.
فاندلعت الثورة في أكتوبر (1880)، وقادها الشيخ عبيدالله النهري، في منطقة شمندينان، التابعة لولاية هكاري، جنوبي ولاية وان على الحدود العثمانية الإيرانية في شمال كردستان، وشاركت فيها معظم القبائل الكردية. واستمرت الثورة لمدة شهرين لم يستطع قائدها أن يحقق الأهداف التي كان يسعى إليها وجعلها نصب عينيه، وهي توحيد شطري كردستان، العثماني والإيراني، وتأسيس دولة كردية قومية يكون هو على زعامتها، ولكن كان للتدخل العسكري المشترك من الدولتين العثمانية والإيرانية أثرٌ في وضع حدٍ لنشاط تلك الثورة ولقائدها، حيث عاد النهري إلى شمندينان، ومنها أرسل إلى إسطنبول، إلا أنه ما لبث أن هرب من العاصمة وعاد إلى شمندينان عبر طريق القفقاس، وألقي القبض عليه مرة أخرى، فنفي إلى مكة المكرمة ومات هناك سنة (1883)، لينتهي حلم الاستقلال الكردي، ويحسب لعبيدالله وقوفه ضد الظلم في كلا الدولتين، كما يحسب له أيضًا أنه أول من أسس فكرة قيام دولة كردية قومية.
- إبراهيم الداقوقي، أكراد تركيا، ط2 (إربيل: منشورات آراس، 2008).
- أحمد تاج الدين، الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001).
- باسيلي نيكيتين، الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية، ترجمة: نوري طالباني، ط2 (بيروت: دار الساقي، 2001).
- سعدي عثمان هروتي، كوردستان والإمبراطورية العثمانية دراسة في نفوذ سياسة الهيمنة العثمانية (إربيل: مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، 2008).
- كاظم حيدر، الأكراد من هم وإلى أين (بيروت: دار الفكر الحر، 1959).
- محب الله، موقع الأكراد وكردستان تاريخيًّا وجغرافيًّا وحضاريًّا (د.م: د.ن، 1991).
- هوكر طاهر توفيق، الكرد والمسألة الأرمنية (بيروت: دار الفارابي، 2014).