امتدادًا لسياسة المصلحة وسعيًا إلى محاولة كسبهم في انتخابات 2023
"أردوغان" يهادن الأكراد بأسلوب الغدر العثماني
اتخذ العثمانيون والجمهوريون الأتراك أسلوبًا معلومًا ومكشوفًا مع القومية الكردية على مرِّ التاريخ، لذا دائمًا ما يلجأون إلى اللغة الناعمة مع الأكراد في عز حاجتهم إليهم، وفَوْرَ انتهائهم من الأكراد وانتفاء المصلحة معهم؛ ينقلبون عليهم بطرقهم القمعية العنيفة، وهذا ما فعله سليم الأول وابنه القانوني، وتوالى بعد ذلك سلاطين الدولة العثمانية، وصولاً إلى العصر الجمهوري، الذي قرب في بداياته مصطفى كمال أتاتورك الأكراد لحين الانتهاء من الأزمة السياسية والدولية في الداخل، ثم انقلب على الأكراد وصاروا هدفه التالي بملاحقتهم وقمعهم.
ومنذ صعود نجمه السياسي مطلع الألفية، تذاكى رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية الحالية، محاولا إقناع من حوله بأنه يختلف عن أسلافه فلا يعمل بنفس مبادئهم، أولئك الذين عملوا مسبقًا على طمس هوية الأكراد، وتغيير أسماء العوائل والقرى الخاصة بهم، حيث سمح لهم أردوغان بإعادة تسمية الأكراد لقراهم ومناطقهم واستعادة أسماء عوائلهم وفتح قناة تلفزيونية باللغة الكردية، وأخبرهم بأنه ضد العنصرية والقومية التي يمارسها الكثير من الترك ضدهم.
استغل أردوغان بجشع كبير امتلاء إسطنبول بالأكراد بعد أن كان حاكمًا لها، حيث استمر في استمالة وتعاطف الكرد مؤكدًا لهم بأنه سيستعيد لهم حقوقهم، مستفيدًا من الاختلاط الكبير بين العرقين التركي والكردي مجتمعيًّا، وقد كان للأكراد فضل كبير في وصول أردوغان إلى رئاسة الوزراء في (2003) حتى أخذ سدة الحكم (2014).
بعد أن تمكن أردوغان من الوصول إلى رئاسة الدولة التركية بدأ في الاستبداد وتهديد الأكراد بسحقهم، وتعدى الأمر بأن يتدخل في شؤون غيره عندما هدد وأعلن بوقوفه في وجه أي استقلال للأكراد أو منحهم فرصة لتحقيق ذلك، سواءً داخل تركيا أو خارجها.
الذاكرة الكردية لا تزال تحتفظ بوعود أردوغان لقوميتها، وبعد أن أوصلته إلى السلطة منذ 2003 انقلب عليها.
لم تكن زيارة أردوغان للأكراد حباً في لَمِّ شتاتهم، ولكنها المصلحة الطورانية تستدعي ذلك، لقد دعا أردوغان خلال زيارته إلى منطقة ديار بكر في (2006)، – وهي المنطقة ذات الأغلبية الكردية، إلى التعاون مع أنقرة، وحذر من أن عدم القيام بذلك يعني خسارة الطرفين. وتلك التصريحات لأردوغان كانت في أعقاب اضطرابات وأعمال عنف شهدتها المناطق الكردية في تركيا.
حين كان أردوغان رئيساً للوزراء اعترف اعترافًا تاريخًّا حين ذكر وصرح بأن حكومته تعمل على إصلاح ما اعتبرها أخطاء الماضي. ولكن تلك الأقوال والتصريحات تبقى وهمًا استتر خلفه. فلم تكن مرحلة تعديل الدستور والتلاعب فيه حديثة العهد لأردوغان والتاريخ يعيد نفسه حين اندلعت مواجهة الجنرالات الترك مع المسلحين الأكراد الباحثين عن كيانهم، آنذاك لجأت القيادات التركية إلى إجبار حكومة أردوغان على تعديل قانون مكافحة الإرهاب بما يعطي صلاحيات واسعة للجيش والأجهزة الأمنية، وتعاملوا مع الأحداث على أنها إرهاب، وهو ما تعارضه الهيئات الحقوقية التركية والأوروبية والغربية عامة.
لم يزل الأتراك يتعاملون مع القوميات المتعددة ومنها الكردية بالخديعة والإرهاب.
يتفادى المؤرخون العثمانيون، المعاصرون والقدماء منهم، تناول المجازر المرتكبة في حق الكُرد خلال تاريخ الدولة العثمانية، وامتداداتها في الحاضر المتمثلة في الجمهورية التركية حاليًا، وفي عهد أردوغان تحديدًا. فأكمل الدين إحسان أوغلو سلك هذا المسلك في كتابه “الدولة العثمانية” حين تجاهل الحقوق الكردية تمامًا في التاريخ التركي.
حكومة حزب العدالة والتنمية اتخذت أسلوبًا قمعيًّا تجاه الحركة السياسية الكردية، ومهما تعرّض الأكراد لعمليات القمع والضغط، فإنهم سيكونون عامًلا حاسمًا محدّدًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة (2023)، وأردوغان يعلم ذلك جيدًا، لذا من المتوقع أن يسعى إلى مهادنة الجانب الكردي، وتحقيق سلام مرحلي فقط، على غرار ما قامت به الحكومات العثمانية قديمًا والجمهورية التركية في بداياتها، وبعد تحقق الهدف من الأكراد في خدمة القضايا السياسية في صالح القادة الأتراك سوف تتبدل اللغة الناعمة مع الأكراد.
- أكمل الدين احسان أوغلي، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة (إسطنبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون 1999).
- تورغوت أوغلو، مقالة بعنوان “تأثير الأكراد في السياسة التركية”، الثلاثاء 2 مارس 2021، اندبندنت عربية.
- شيرزاد اليزيدي، مقالة بعنوان “هربا من الأزمات.. أردوغان يلجأ للخيار المعتاد لقمع الأكراد”، 16 فبراير2021، شيرزاد اليزيدي، سكاي نيوز عربية.
- حسين جمو، مقالة بعنوان “العثمانية والكرد… تحالف مرتبك وميراث دموي يتجدد”، السبت 16 مايو 2020، اندبندنت عربية.