طوسون وإبراهيم باشا.. حوادث وعبر
يذكر من أرّخ حوادث معارك محمد علي باشا وعودته إلى مصر بأنه عاد منتصرًا على جيوش الوهابية، هكذا كان التعامل مع الدعوة والدولة.
تقدّمت قوات طوسون بعد حوادث غدر ونقض للعهد إلى بلدة الخبرا والرس، واتخذها قاعدة حربية لقواته في 1814م، ومما كان يقلق الباشوات استمرارية الولاء للإمام عبدالله بن سعود، وكان خروجه من الدرعية بجنوده معسكرًا في أرض المذنب بالقصيم، ووقعت مواجهات عنيفة استمرت لشهرين، وجنح طوسون إلى طلب الصلح.
وكان رسوله يحيى أفندي الذي اشترط عليه الإمام، جلاء جيوش طوسون عن نجد، وحرية أداء فريضة الحج، لأن المسيطرين على بلاد الحرمين بقيادة الباشوات منعوا حج القادمين من نجد ومن يواليهم، وكان طلب ذلك الصلح خدعة، لما عاناه جنودهم من ضعف وتفكك، بعدها عاد طوسون إلى مصر ووصلت بعد ذلك أخبار للإمام عبدالله بن سعود بأن الصلح فيه غدر مُبطّن بعد أن أرسل رجال لمحمد علي باشا ولما وصلوا وجدوه قد تغير وأغلظ عليهم في القول.
جرى إعداد حملة إبراهيم باشا بعد أن أخذوا وقتهم في العام 1816م، ووصل إلى الحناكية والتقى بهم الإمام بجنوده، وكانت المدافع التي اصطحبها الباشا -حسب وصف المؤرخ السعودي ابن بشر- هائلة تثور مرة في بطنها – أي عند انطلاق القنبلة – ومرة تثور رصاصتها وسط الجدار بعدما تثبت فيه، وطال أمد الحصار لبلدة الرس، وكان الرمي كثيفًا إلى أن احتُلَّت، ورجع الإمام إلى عنيزة، وبعدها إلى الدرعية للدفاع عنها.
كان التقدم لجيش إبراهيم باشا من القصيم إلى الوشم فسدير والمحمل، ولقى من أهل ضرما – في الشمال الغربي من الرياض – مقاومة شديدة، كالذي لقيه من أهل الرس، وذكر ابن بشر أن الناس أحصوا ذات ليلة بين المغرب والعشاء أكثر من خمس آلاف رمية، وكان دخول القوات المعادية هجومًا شرسًا وأحدثوا ما أحدثوه من قتل السكان في مجزرة بشرية وصلت إلى من كانوا في بيوتهم وخارجها.
كان الهدف الوصول إلى الدرعية، وسبق الوصول إليها بعد القضاء على ضرما ومن فيها، عن طريق وادي حنيفة.
ورغم الأحداث المتسارعة، والقدوم بأسلحة كالمدفعية الثقيلة – كما سبق ذكر ذلك – كان الإمام عبدالله بن سعود يعد العدّة ويُنظم صفوف جيشه، وعيّن لكل فئة من أهلها الدفاع عن ناحية.
ابتدأت حرب بين الطرفين 1817م، وكانت قنابل جيش الباشا تنزل كالمطر على السكان، وضرب جيش الأعداء أشرس الأمثلة الباقية مُسَجِّلةً في التاريخ أبشع صورها، حيث وقعت اشتباكات طالت كل الجهات ومنها غبيرا والمغيصي والحريقة وسمحة، وعند أبواب باب سمحان وباب الظهرة.
استمرت المعارك رغم فرض الحصار تجاه الدرعية، ورغم ما أوقعه جيش الباشا إلا أن البسالة من جهة السعوديين كان مشهودًا لها من عدد من المؤرخين، مما أعيا جند الاحتلال.
ومن الأحداث التي ذُكرت إصابة جيش الباشا بحريق مخازن الذخيرة مما أحدث دويًّا من الانفجارات، أهلكت الكثير من جنودهم وخيلهم ومتاعهم، ولوحظ هروب جنود الباشا، وكانت تلك هزة أصابت إبراهيم باشا بالذهول، وأرسل في طلب المدد والذخيرة، وتتابعت الإمدادات من مصر والبصرة والزبير، كانت الحرب سجال، وكان الفتك بالبشر والتمثيل بهم سمة الباشوات العسكرية.