ماذا كتبوا عن إيالة تونس؟
تعد تونس ذات أهمية استراتيجية كُبرى؛ لموقعها في المنتصف من حوض البحر المتوسط، ومن ثم سيطرتها على الملاحة في هذا البحر، فضلًا عن قربها من الشواطىء الإسبانية والفرنسية والإيطالية، وكانت تونس في القرن السادس عشر الميلادي، لا تزال تحت سيطرة الإسبان.
ويكشف كتاب “الأتراك العثمانيون في شمال إفريقيا”، الفوضى التي عمّت الولايات العربية الإفريقية، التي أُطلق عليها أوجقات المغرب، وكيف كانت كذلك بسبب التشكيلات العسكرية وسياسة الدولة التي تتعمد إدارة المناطق التي تسيطر عليها بنفس النهج، وهو تعيين الباشوات ودعمهم بالإنكشارية، على أن تكن مدة التعيين مُتغيرة مما يجعل الخلل قائمًا.
ويؤكد الكتاب أن تلك السياسة كانت سببًا في استبداد الباشوات ومحاولة جمعهم الأموال، لعلمهم أن العهد بهم لن يطول، ولقد اُحتلت تونس منذ عام 1569م، ولم يبق بيد الإسبان إلا جالطة، وفي عام 1574م، خضعت تونس نهائيًّا للإدارة العثمانية، وهنا يأتي الوصف الذي سطّره المؤرخون، فكيف كان واقع الحال، حيث عاش الأهالي فترة عصيبة وصفها من عاصرها بـ”السوداء” مدة أربعة قرون من الاحتلال العثماني، وكانت نتائجها على البلاد والعباد من الفقر والجهل والمرض حتى فاض الكيل، وتزعمت الثورات كل الطبقات الاجتماعية بلا استثناء، وتنظيم تيارات من المعارضة، وسجّل المؤرخون فظائع الأتراك لتكون وثيقة اتهام تفضح تاريخهم الاستعماري الأسود، بحسب ما تقول المصادر التاريخية عن حقبة العثمانيين في تونس وطرابلس الغرب كذلك، وتم فصلهما بشكل مستقل، وعُين لكل منها أمير أمراء رُبط إداريًّا بإسطنبول مباشرة.
وعلى الجانب الآخر، سجّل التونسيون مواقف ضد الدولة العثمانية، نذكر منها رفض مطالب الباب العالي في إعانتهم أثناء حربهم مع الروس، فعند قيام الحرب العثمانية الروسية عام 1877م، طلبت الدولة العثمانية من تونس أن تسهم في الحرب معها بالمال والعتاد والرجال، ورغم الرسائل الكثيرة التي أرسلها والي تونس محمد الصادق باي، من أجل إعفاء تونس من تحمل جزء من أعباء الحرب بسبب الأوضاع الصعبة التي كانت تعيشها البلاد، فإن الوثائق تفيد بأن الدولة أصرّت على طلبها بأن ترسل تونس ما يتعين عليها إرساله من المساعدة، خاصةً أن المخاطر التي تُحدِق بالدولة كانت كبيرة وجدّية، وكانت الجهود متصلة لإرسال بعض الرجال، إلا أن الأخبار وصلت تفيد بأنّ الحرب توقفت، فعُدل عن إرسال الجنود التونسيين، ويكفي الحديث عن صعوبة الحالة النفسية المضطربة في التعامل مع الجنود لجمعهم بالقوة الجبرية على المشاركة.
فضلًا عن وجود جبهة قتال مفتوحة مع العثمانيين داخل الشمال الإفريقي، ولا يعني هنا القتال المسلح فقط، ولكن كما ذُكر سابقًا الحرب النفسية، وتدمير الإنسان قبل تدمير مقدراته التي رزقه الله إياها.
الإيالة: هي أكبر الوحدات الإدارية والعسكرية في الدولة العثمانية، ويتولى حكمها حاكم برتبة بكلربك، أي أمير أمراء.
غيض من فيض يَصْعب جمعه في سطور محدودة …..