"معركة ذي قار
ونظــرية بافلــوف"
لو رجعنا إلى جذور العلاقات العربية – الفارسية لوجدنا أن الفرس كانوا ينظرون إلى العرب نظرة ازدراء واستعلاء؛ لأنهم كانوا يرون أنفسهم أصحاب إمبراطوريةٍ ذات سيادة ومكانة سياسية واقتصادية عالمية عظمى، وذات نهضة حضارية كُبرى، بينما العرب كانوا دويلات صغيرة وقبائل متفرقة متناحرة، لا يملكون شيئًا من مقومات الدولة الحقيقية التي تمنحهم السيادة والهيبة في نفوس أعدائهم، كانوا منقسمين إلى دولتين؛ المناذرة الموالية للفرس، والغساسنة الموالية للروم، وهذا الانقسام أسهم بدوره بقاء نظرة الفرس المعادية للعرب، التي تحولت مع مرور الزمن إلى كراهية بعد الهزائم المتكررة التي تعرض لها الفرس من قبل قبائل العرب في معركة ذي قار، واستمرت تلك الهزائم حتى انتهت بالقضاء على حكم الإمبراطورية الفارسية في العهد الإسلامي.
وهنا قد يتساءل القارئ ما علاقة “نظرية بافلوف” الشهيرة بمعركة ذي قار الأشهر في التاريخ العربي وبهزيمة الفرس؟! فمن المعروف أن هذه النظرية في التعلم، أو نظرية الارتباط الشرطي، و”تقوم أساساً على عملية الارتباط الشرطي، والتي مؤداها أنه يمكن لأي مثير بيئي محايد أن يكتسب القدرة على التأثير في وظائف الجسم الطبيعية والنفسية إذا ما صوحب بمثير آخر من شأنه أن يثير فعلاً استجابة منعكسة طبيعية أو اشتراطية أخرى”، وهذه النظرية ارتبطت بصورة أو بأخرى في العقلية الفارسية ومُخَيِّلَتِها المبغضة لكل ما هو عريي من خلال اسم المعركة، أو من خلال بعض أسماء أبطالها الذين أبلوا بلاء حسنًا في إلحاق الهزيمة المنكرة بالفرس.
وعندما نسترجع الرواية التاريخية التي ذكرها “الطبري” عن “معركة ذي قار” في قوله: “إن الناس توامروا فولُّوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي، وكانوا يَتَيَمَّنُون به، فقال لهم: لا أرى إلا القتال، فتبعوا أمره، وهو الذي تولى إدارة القتال، فكان له شأن كبير فيه، وقد قاد قومه من “بني عجل” في ذلك القتال، فله النصيب الأكبر منه. وقد احتل “حنظلة” مسيرة “هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود” رئيس قبائل بكر في القتال الذي جرى في ذي قار في موضع الجب. وكان “هانئ بن قبيصة” رئيس بكر يشغل القلب في أثناء الهجوم على الفرس يوم الجب في ذي قار، وكان على ميمنته “يزيد بن مسهر الشيباني”، و”حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي” على ميسرته يحميه من كل هجوم جانبي يقع عليه من الميسرة، كما ذكرتُ. وكان “يزيد بن حمار السَّكُوني”، وهو حليف لبني شيبان، قد كمن مع قومه من بني شيبان في مكان من ذي قار هو الجب، فلما جاء إياس بن قبيصة مع الفرس إلى هذا المكان، خرج مع كمينه، فباغت إياسًا ومن معه، وولت إياد منهزمة، فساعد بذلك كثيرًا في هزيمة الفرس”. والواقع أنه قد التحم الفريقان، ولحقت بنو إياد ببني بكر في عنفوان المعركة، ولم يستطع الفرس أن يجاروا العرب في سرعة التفرق والتجمع، مع سرعة الضربة وشدتها، فذاقوا أول هزيمة أنزلها بهم العرب، وكان ذلك حافزًا أيقظ ثقة القبائل العربية بأنفسهم وجرَّأهم على مواجهة الأجنبي والغريب والدليل على ذلك أن يوم ذي قار كان مفاجأة للفرس، كما كان مفاجأة للعرب أنفسهم، فتلك الأسماء المذكورة هي التي قادت نصر العرب على الفرس، ولعل اسم “يزيد” وهما؛ يزيد بن حمار السكوني، ويزيد بن مسهر الشيباني أحدثا الفرق في تلك المعركة المصيرية للعرب فلاشك أنهما قد ارتبطا شرطيًّا في العقلية والمخيلة الفارسية التي لازالت تحمل الكثير من البغض والكره لهذين الاسمين عبر التاريخ والشواهد على ذلك كثيرة في تاريخنا.