بتواطؤ استعماري

يوم فقدت الأحواز العربية حريتها سنة (1925)

تعد مسألة ضياع الأحواز من الصفحات السوداء في تاريخ العرب المعاصر؛ إذ توافق الاستعمار الفارسي مع الأطماع الأجنبية في المنطقة في عام (1925) على سقوط الأحواز في يد إيران، كصفقة في إطار إعادة رسم خريطة المنطقة العربية في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، فما هي قصة الأحواز؟

كانت الأحواز من الإمارات العربية المستقلة على الخليج العربي، وكانت هذه الإمارة دومًا معرضة للأطماع الإيرانية نتيجة موقعها الإستراتيجي، هذا فضلاً عن مواردها الزراعية والنفطية المهمة. لكن إيران لم تنجح في الاستيلاء على هذه الإمارة؛ نظرًا لقوة مكانة أميرها الشيخ خزعل الكعبي.

وقفت بريطانيا في بداية الأمر إلى جانب الشيخ خزعل الكعبي، وأعلنت حمايتها له من الأطماع الفارسية؛ نظرًا لأهمية حقول النفط في إمارته لبريطانيا. وفي هذا الإطار قامت بريطانيا بإنشاء مصفاة للنفط في ميناء عبدان في الأحواز، وقامت ببعض الاستثمارات في هذا الشأن.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام (1914) طلبت بريطانيا من الشيخ خزعل الوقوف إلى جانبها في الحرب من أجل جذب العرب إليها. وبالفعل وقف الشيخ خزعل وإمارته إلى جانب بريطانيا أثناء الحرب، وتعهد بحماية المنشآت النفطية في الإمارة من أي هَجَمات تركية أو ألمانية. وفي مقابل ذلك أصدرت بريطانيا على لسان المعتمد البريطاني في الخليج خطابًا للشيخ خزعل تتعهد فيه بحمايته من الأطماع الإيرانية. ونص هذا الخطاب على أن: “حكومة صاحبة الجلالة البريطانية مهما طرأ من التبدل على شكل الحكومة الإيرانية، وسواء كانت هذه الحكومة ملكية أو مستبدة أو دستورية، فإن بريطانيا مستعدة أن تمدكم بالمساعدات اللازمة للحصول على حل يرضيكم ويرضينا إذا تجاوزت الحكومة الفارسية على حدود اختصاصكم وحقوقكم المعترف بها، أو على أموالكم الموجودة في فارس. وكذلك ستبذل حكومتنا أقصى جهدها في الدفاع عنكم لقاء أي اعتداء أو تجاوز يأتي إليكم من أي دولة أوروبية”. 

لكن الأمور في طهران كانت تسير عكس هذا الاتجاه، فمع وصول الضابط رضا خان إلى الحكم، ثم اعتلائه العرش بعد ذلك تحت اسم رضا شاه بهلوي سنة (1925)؛ ازدادت النزعة الفارسية المتطرفة، وتعالت الأصوات بعودة المجد الفارسي القديم.

وبالفعل، بدأت التحرشات الإيرانية بالشيخ خزعل، تمهيدًا لمد النفوذ الفارسي على الأحواز، ثم الاستيلاء عليها. حيث بدأت طهران في مطالبات مالية مستحقة من وجهة نظرها على الإمارة. ورفض الشيخ خزعل الانصياع إلى هذا الأمر، ورد على طهران بأن هذا الأمر يُعًدُّ تدخلاً في شؤونه الداخلية، كما أنه مناقضًا للفرمان الشاهنشي الذي مُنح لأبيه في عام (1857).

لم تكتفِ طهران بذلك، بل بدأت عملية التحرشات العسكرية بإرسال مئات الجنود الإيرانيين إلى حدود الإمارة، بحجة حفظ الأمن والنظام، ومواجهة خانات البختيارية الخارجين على طهران. وأزعج هذا الأمر الشيخ خزعل، وطلب تدخل بريطانيا لمواجهة ذلك وفقًا لتعهداتها السابقة التي قطعتها على نفسها في عام (1914) بحماية الأحواز من أي تدخلات إيرانية. لكن بريطانيا اكتفت بطمأنة الشيخ خزعل، الذي تلقى خطابًا من البصرة يؤكد على أن: “الأيام ستحقق لعظمة الشيخ خزعل أن بريطانيا العظمى لا تهمل أصدقاءها ولا تنسى جمائلهم”. 

ولم يقف الأمر عند التحرشات العسكرية، وإرسال الجنود إلى حدود الأحواز، بل بدأ الفرس بإثارة المتاعب الداخلية للشيخ خزعل، ومحاولة تأليب بعض التابعين له ضده. وفي تلك الأثناء بدأ ظهور تغييرات كبيرة في سياسة بريطانيا في المنطقة؛ إذ بدأت في التخلي عن حلفائها التقليديين لصالح رضا شاه بهلوي وحكومته في طهران. ويفسر علي محافظة هذا التحول السياسي، والتقارب القوي بين رضا شاه بهلوي وبريطانيا قائلاً: “أعجب البريطانيون بكراهية رضا خان للسوفيات والشيوعية، مثلما أعجبوا بقدرته على فرض طاعته على أقرانه من الضباط، وبطموحه الرامي إلى تطوير الجيش الإيراني وقربه منهم”.

وبالفعل تغيرت تصريحات بريطانيا؛ إذ لم تعد في صالح الشيخ خزعل، بل ضغط السفير البريطاني في طهران على الشيخ خزعل لتسوية خلافاته مع الشاه، وقال له إنه من الأفضل له “أن يكون صديقًا لصديقنا”، أي رضا شاه بهلوي.

هكذا أدرك الشيخ خزعل مدى خديعة بريطانيا له، وميلها تجاه الشاه. من هنا حاول توحيد قبائل الجنوب تحت ولائه، للوقوف في وجه الأطماع الإيرانية، وبالفعل تم الإعلان عن تشكيل “حلف السعادة” أو اتحاد القبائل الجنوبية؛ استعدادًا لمواجهة استفزازات طهران.

وبالفعل تحركت القوات الإيرانية لاجتياح الأحواز، وأرسل الشاه رسالة خديعة لأهالي الأحواز في محاولة لتهدئتهم، والفصل بينهم وبين زعيمهم الشيخ خزعل؛ إذ ادعى الشاه أنه جاء إلى الأحواز من أجل أن يخلص أهلها من ظلم الشيخ خزعل، واقتحمت القوات الإيرانية الأحواز، ثم لجأت إلى الحيلة والخديعة؛ إذ إدعى قائد القوات الإيرانية إقامة حفل تكريم للشيخ خزعل، وعند وصول الشيخ تم اعتقاله وإرساله إلى طهران.

يعلق الكاتب الفرنسي جاك بيريبي على الوضع المأسوي الذي انتهى إليه الشيخ خزعل قائلاً: “مات الشيخ خزعل في طهران محاطًا بكل مظاهر الشرف، محرومًا -في الوقت ذاته- من كل حقوقه كأمير مستقل. أما أراضيه فقد ضُمَّت إلى الإمبراطورية الفارسية، وكل ذنبه أن إمارته قائمة في مكان استراتيجي بترولي في عالم اليوم، عالم البترول الذي لا يحفظ حقًا ولا ذمة”.

جاك بيريبي: "مات الشيخ خزعل في طهران محاطًا بكل مظاهر الشرف، محرومًا في الوقت ذاته من كل حقوقه كأمير مستقل".

  1. مصطفى النجار، التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897-1925م (القاهرة: دار المعارف، 1970).

 

  1. فرح صابر، رضا شاه بهلوي والتطورات السياسية في إيران 1918- 1939 (السليمانية: مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، 2013).

 

  1. عليّ محافظة، إيران بين القومية الفارسية والثورة الإسلامية (عمان: د.ن، 2013).

 

  1. جان جاك بيريبي، الخليج العربي، ترجمة: نجده هاجر (بيروت: د.ن، 1959).