اللا مواطنة
العنصرية الفارسية تجاه عرب الأحواز
يعدُّ ملف عروبة الأحواز من أهم الملفات التي تدل على عنصرية النظام الإيراني، سواء في عصر الشاه أو عصر المرشد، تجاه العرب بصفةٍ عامة، والأقلية العربية في إيران المتمثلة في عرب الأحواز بصفة خاصة.
استولت إيران في عام 1925 على الأحواز في عملية غادرة، ونفوا أميرها الشيخ خزعل إلى طهران، وتتردد روايات حول مقتله سرًا في منفاه. ولم تكتفِ إيران الشاهانية بضم الأحواز إليها، وإنما عمدت إلى طمس الهوية العربية في هذه المنطقة. ولعل أوضح الأمثلة على ذلك تغيير المسميات العربية واستبدالها بأسماء فارسية، وهو أحد أساليب العنصرية الثقافية؛ إذ عمدت السلطات الإيرانية إلى تغيير الاسم العربي التاريخي لإقليم “الأحواز” وأطلقت عليه اسم فارسي “خوزستان”، يُضاف إلى ذلك استبدال الأسماء العربية للمدن والشوارع بأسماء فارسية، وفرض اللغة الفارسية على هذا الإقليم العربي.
والحق أن إيران استولت على هذه المنطقة العربية، ليس فقط لتشفي غليلها من فتح العرب لفارس، ومئات السنين من الحكم العربي، ولكن أيضًا لثراء هذا الإقليم وأهميته الاقتصادية. فمن المعروف أن معظم نفط إيران، الذي يُعدُّ عصب اقتصادها، يأتي من منطقة الأحواز، كما أن أهم مصفاة وميناء لتصدير البترول في إيران هو ميناء عبادان الذي يعدُّ من أهم مناطق الأحواز. ولا أدل على أهمية نفط الأحواز في الاقتصاد الإيراني من المقولة الشهيرة للرئيس الإيراني خاتمي: “إن إيران تحيا بخوزستان” مشيرًا إلى إسهام نفط الأحواز في عصب الاقتصاد الإيراني.
لكن السلطات الإيرانية لم ترد الجميل لأهالي الأحواز، بل اتبعت سياسات تهدف إلى إفقار وإذلال هذا الشعب العربي، بل وتجويعه؛ إذ عمدت على سبيل المثال إلى تحويل مياه أنهار الأحواز لخدمة مدن فارسية. وأدى ذلك إلى حدوث حالة فقر مائي في منطقة الأحواز، مما أثار العديد من الاحتجاجات من جانب أهالي الأحواز، لعل آخرها وأهمها ما حدث في عام 2021، ردًا على السياسات المائية الإيرانية الظالمة.
كما لجأت السلطات الإيرانية إلى سياسة فرق تسُد، وضرب الأقليات العرقية في إيران بعضهم البعض. واستغلت سلطات طهران القرب الجغرافي للقبائل البختيارية من الأحواز، في القيام بعملية تطهير عرقي، وإحلال وتبديل في السكان بنقل العديد من البختيارية إلى الأحواز. وانعكس ذلك على التمثيل السياسي لإقليم الأحواز في الإدارة والمجالس الإيرانية؛ إذ عَيَّنوا رئيسًا من البختيار لإدارة “السافاك” جهاز الأمن السري في الأحواز، من أجل قمع أي ردة فعل من جانب أهالي الأحواز. كما نَصَّبوا شخصًا بختياريًّا على رأس مجلس بلدية عبادان، وجرى انتخاب مندوب بختياري للمدينة في البرلمان، على الرغم أن عبادان ذات أغلبية سكانية عربية.
وفي الحقيقة رفض عرب الأحواز -منذ البداية- الحكم الفارسي العنصري وعبَّروا عن هذا الرفض بمظاهر عدة، ولعل أهم هذه المحاولات كان في عام 1956، أي في عهد الشاه محمد رضا بهلوي؛ إذ قام عرب الأحواز بتشكيل جبهة تحرير الأحواز “عربستان”. وتشير المصادر إلى تعاون السافاك مع جهاز الموساد الإسرائيلي لمواجهة هذه الجبهة، وأثمر هذا التعاون -للأسف- عن كشف أسماء قادة هذه الجبهة، وجرت تصفيتهم بدمٍ بارد.
وعندما وقعت الثورة الإيرانية الشعبية ضد الشاه في عام 1979، وقبل أن يقفز التيار الخميني على هذه الثورة، شارك عرب الأحواز في الثورة على الشاه، أملاً في الاستقلال وحق تقرير المصير، أو حتى في الحصول على الاستقلال الذاتي. لكن تعرض العرب إلى مذبحة شهيرة وأليمة، وهي مذبحة المحمرة من جانب العناصر الفارسية، من أجل القضاء على أي فرصة لتقرير مصير الأحواز.
من هنا تجدد نضال عرب الأحواز ضد حكم المرشد الظالم الذي عصف بآمال شعب الأحواز وحقه في تقرير المصير، فضلاً عن استمرار سياسات التمييز العنصري، وإفقار الأحواز. ومن أهم الانتفاضات العربية ما حدث في عام 2005، هذه الانتفاضة التي عمت أرجاء الأحواز، رافضةً سياسات تهجير وإبعاد الكثير من العناصر العربية عن المنطقة، وإحلال عناصر فارسية محلهم.
وفي عام 2012 رصدت منظمة العفو الدولية تعرض بعض أبناء الأحواز لمحاكمات جائرة، لا تتوافق مع قواعد القانون، وإعلان مبادئ حقوق الإنسان. وكانت التهمة الظالمة لهؤلاء هي عملهم لصالح “الأقلية العربية الأحوازية” كما ورد في تقرير مُنَظَّمة العفو الدولية. ويشير التقرير إلى أن السلطات الإيرانية وجهت لهؤلاء العرب العديد من التهم الجائرة مثل: “العداء لله والفساد في الأرض”! وهي تهم خطيرة تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وفي مايو 2022 تصاعدت الاحتجاجات في الأحواز ضد سياسات طهران في إفقار المنطقة، وضد ارتفاع الأسعار، وتعالت أصوات الأهالي كيف يصل الوضع الاقتصادي لهذه الدرجة من السوء، ومع ثراء الأحواز الاقتصادي، ونهب ثروات الأحواز الاقتصادية لصالح طهران. وفي يونيو من العام نفسه حدثت احتجاجات في عبادان على إثر انهيار مبنى مكون من عشرة طوابق، ومقتل وإصابة العديد، وتصاعدت الأصوات حول الفساد وعدم مراعاة قواعد الأمان في البناء، والتضحية بأرواح سكان الأحواز. ورد المرشد الإيراني كعادته على هذه الاحتجاجات بأنها مدفوعة من الغرب، وأن هناك أيادٍ غربية وراء ذلك.
ويعد التقرير الأخير الصادر في 2022 عن منطقة العفو الدولية عن الحريات وحالة الأقليات، من أهم الصفعات على وجه النظام الإيراني في هذا الشأن؛ إذ نص التقرير على: “تعرض الأشخاص المنتمين إلى الأقليات العرقية مثل عرب الأحواز وغيرهم للتمييز المجحف الذي يحد من الفرص المتاحة أمامهم للتعليم والعمل وتولي المناصب السياسية، ورغم الدعوات المتكررة للتنوع اللغوي، فقد ظلت اللغة الفارسية هي اللغة الوحيدة للتعلم في المرحلة الابتدائية والثانوية”.
هذا هو حال عرب الأحواز تحت الهيمنة الفارسية، شاهانية كانت أم خُمَينية.