الدولة الصفوية
تاريخ طويل من الخيانة ضد العالم العربي والإسلامي
تحكي لنا كتب التاريخ عن تواطؤات وخيانات تمت مع الغرب الصليبي المحتل أو الطامع في خيرات الوطن العربي والإسلامي، وتؤكد الشواهد أن الخيانات كانت حالات شاذة تنكرها الشعوب، ويستحي منها “الخائن”، ولذلك جعل الإسلام من الخيانة إحدى علامات المنافق الثلاث، غير أن ما يميِّز التعبير السياسي الخارجي للفرس هو ذلك العداء والحقد الوجودي لكل ما هو عربي أو إسلامي، ولذلك شكَّل مسلسل المؤامرات مع الغرب الصليبي عقيدة ثابتة لم يَكَد يَحِد عنها أي حاكم فارسي، خاصة منذ إسقاط أسطورة العِرق الآري مع ملحمة القادسية سنة 15ه (636م).
إن سيطرة العرب على أغلب محاور التجارة الدولية القديمة إلى حدود القرن الخامس عشر الميلادي، و”أهمها طريق البحر الأحمر الذي تقع مصر عند طرفه الشمالي، ويحتل اليمن طرفه الجنوبي، جعلت العيون الاستعمارية تتركز على هذه المنطقة لإخضاعها للنفوذ الأجنبي”. ولعل سياقات البيئة الإستراتيجية في منطقة الأوراسي، خاصة في القرن السادس عشر الميلادي، جعلت “الفاعلين الجيوستراتيجيين” يتحدَّدون في إيران الفارسية والسلطنة العثمانية وبعض القوى الأوروبية، وبدرجة أقل المماليك في الشام ومصر، وإذا كانت أهداف السلطنة العثمانية واضحة في التمدد غربًا وجنوبًا، فإن إيران والغرب الصليبي وجدوا أنفسهم أمام تحالف موضوعي يهدف إلى القضاء على ما اعتبروه تهديدًا وجوديًّا.
لقد ظلت البرتغال الطامعة في المياه العربية الدافئة في حالة ترقُّب لأية مواجهة مرتقَبة، و”استمر الحال على ما هو عليه دون صدام.. وكأن كلًّا منهما في حالة ترقُّب وجَسٍّ للنبض وانتظار للفرصة، وإعداد العدة ليَكِيل لغريمه حتى سنة 1525م”.
قرأ الفرس جيدًا طبيعة الأهداف البرتغالية، ورأوا أنها تتلخَّص في الوصول إلى السواحل العربية باعتبار البرتغال قوة بحرية بالأساس وليست قوة برية، وبالتالي يمكن اقتسام النفوذ بين الطرفين.
إن الأمانة في الطرح تدفعنا إلى تحميل المسؤولية للدولة العثمانية التي أسهمت في تكريس حالة التنافر الإسلامي في الشرق على حساب التكتل المسيحي في الغرب، ويرى بعض الباحثين أن “العالم الإسلامي في المشرق لم يصل إلى مرحلة التضامن في المُلِمَّات، وإنما حدث العكس، وهو التناحر والتنافس، مما أدَّى إلى ضعف الجبهة الإسلامية في الشرق ضد الغزو الأوروبي بجميع فئاته وعلى رأسها الكنيسة”.
العثمانيون استغلوا الهجمات البرتغالية على المجال الحيوي للمماليك، وبالتالي أسهموا في إضعاف نفوذهم، وقاموا بالاستحواذ على المناطق التي كانت خاضعة للمماليك في الشام ومصر والحجاز، وفي نفس سياقات إضعاف الجبهة الإسلامية في المشرق قامت الدولة الفارسية بتقوية تحالفها مع الغرب الصليبي ضد الدولة العثمانية، وهو ما يشكِّل امتدادًا للتماهي التاريخي بين الأجندة الفارسية والأجندات الغربية.
لقد نجحت المؤامرات الفارسية مع الغرب الصليبي في وقف الهجمات في اتجاه الشرق، كما أسهمت في إفشال حصار فيينا بعدما اضطر السلطان العثماني إلى العودة لحماية حدوده الشرقية بعد تواتر الأنباء حول تحرك وشيك للفرس للتوغل داخل المناطق العثمانية، ويبقى التحالف الصفوي البرتغالي نموذجًا للتحالفات التي استهدفت العرب خصوصًا، في ظل التعامل العنصري والدموي للبرتغاليين ضد العرب على يد فاسكو ديغاما، وأيضًا في ظل الحقد الفارسي على العرب، وهو الحقد الذي يُغني بيانه عن تبيانه.
دعمت الدول الغربية الصفويين وتفاءلوا بالتحالف معهم.
في هذا السياق تم تتويج التحالف الصفوي البرتغالي بالاتفاقية التي عُقدت بين الشاه إسماعيل الصفوي والبوكيرك الحاكم البرتغالي في الهند التي نصت على ما يلي:
- تُصاحِب قوة بحرية برتغالية الصفويين في حملتهم على البحرين والقطيف.
- تتعاون البرتغال مع الدولة الصفوية في إخماد حركات (التمرد) في بلوشستان ومكران.
- تتَّحِد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.
- تصرف حكومة إيران (الصفوية) النظر عن جزيرة هرمز، على أن يبقى حاكمها تابعًا للبرتغال، وألا تتدخل في أمورها الداخلية.
لقد كان الغرب الصليبي متفائلًا بتعاظُم الدولة الصفوية، ورأى فيها خير حليف “موثوق به” من أجل مواصلة إنهاك وابتزاز العالم العربي والإسلامي، خاصة أنه يرى في الإسلام السُّني حاضنة دينية قوية وعاملًا موحَّدًا يمتلك مركز ثقل روحي عظيم ممثلًا في قلب الأمة الإسلامية “الحرمين الشريفين”.
- أحمد الشامسي، “الصراع البرتغالي العثماني في القرن السادس عشر”، مركز الدراسات والوثائق، رأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة (2013).
- كمال السيد، نشوء وسقوط الدولة الصفوية (قم: مكتبة فدك، 2005).
- علي درويش، السياسة والدين في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية (بيروت: المركز العربي، 2013).
- مجموعة باحثين، الصفوية.. التاريخ والصراع والرواسب، ط3 (دبي: مركز المسبار، 2011).