العلاقات الصفوية البرتغالية
تقاسموا النفوذ في العالم العربي وعملوا على مشروع حربي مشترك
منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي بدأ المشهد السياسي في العالم الإسلامي بالتغير بصورة متسارعة، فكان لظهور الدولة الصفوية في إيران وإزاحتها لدولة آق قوينلو عن المشهد السياسي، واحتلالها بغداد (1508)، وإطاحتها بسلطة المشعشعين العربية في الأحواز مؤشرًا لذلك التغير، إضافةً إلى بروز البرتغاليين في المنطقة كقوة استعمارية متعصبة ضد المسلمين، وأصبحت قوة فاعلة ومؤثرة في المحيط الهندي.
استطاع البرتغاليون خلال فترة وجيزة من غزوهم للمنطقة الوصول إلى ثروات الهند، معتمدين على ما كانوا يحملونه معهم من مرسوم بابوي منحهم شرق العالم القديم، وكانت سيطرتهم على البحار على حساب البنادقة والعرب، فعمدوا على إنشاء المراكز التجارية على سواحل شرق أفريقيا، وبدأوا يهاجمون المنشآت العربية في المحيط الهندي، مستخدمين أبشع الأساليب الوحشية في التعامل معها من خلال إحراق السفن وإغراقها، وتدمير المدن والمراكز الإسلامية وطرد التجار منها.
استمر البرتغاليون في غزوهم حتى وصلوا بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، فنشروا الرعب من عدن مرورًا بالمرافئ العمانية كرأس الحد وقلهات ومسقط وصحار وخورفكان ورأس الخيمة، وصولًا إلى جزر الخليج العربي كهرمز وقسم حتى البحرين.
وأمام تلك الأحداث والتطورات على الساحة السياسية حرص الصفويون بزعامة الشاه إسماعيل على التحالف مع البرتغاليين، وبناء علاقة يسودها التودد، وقد ظهر ذلك التعاون بوضوح في أكثر من موقف؛ حيث كان الأسطول الفارسي يقوم بدعم وتعاون لوجستي خلال مهاجمة جزيرة هرمز حتى استكمال احتلالها من قِبَل البرتغاليين، بل لم يكتفِ بذلك حين أقرَّ الشاه استيلاءهم على الجزيرة، في مقابل طلب الشاه مساعدة البرتغاليين العسكرية ضد ملك مكران البلوشي، وعلى أن يكون ميناؤها جوادر يخضع للبرتغاليين، كما سمح البرتغاليون للفرس بفتح مركز تجاري لهم في الهند بمدينة “غوا” فقط، وألَّا تصادر تلك البضائع الفارسية.
وقد أظهرت رسالة “ألبوكيرك” للشاه مدى التحالف بينهما حين قال له: “لقد علمت أن السلطان عدو لكم، وأنه يشن حربًا ضدكم، فإذا رغبتم جلالتكم بمساعدتنا فسوف أُنفِّذ لكم هذا الطلب وأقهر خصمكم أينما كان ومتى ما كان، فإن أردتم مهاجمة السلطان بَرًّا، فإنني أستطيع أن أساعدكم بحرًا، وتأكد أنه سوف يمكن الاستيلاء على القاهرة والقطر كله بجهود قليلة، فإن وافقتم جلالتكم على الدخول في حلف معي، ووافقتم على حشد جيوشكم وسَوْقها لاحتلال القاهرة، فإن جلالة ملك البرتغال سوف يسوق كل قِطْعاته ويحشدها لتحرير القدس والأراضي المجاورة لها، لذلك أرجو من جلالتكم إخباري عن المكان الذي ترغبون فيه أن يحتشد الأسطول البرتغالي لتنفيذ الخطة”، كما استعان الشاه الصفوي بالبرتغاليين كي تصاحبه قوة بحرية برتغالية في حملته على البحرين والقطيف، إلى جانب تعهُّدهم بمساندتهم.
تضمَّن مشروع التحالف البرتغالي الصفوي تقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ بينهما، حيث اقترح أن يحتلَّ الصفويون مصرَ، والبرتغاليون فلسطين، لقد أثَّر ذلك التحالف كبيرًا على المنطقة العربية بأسرها، حيث فُقدت أهم الطرق البحرية في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، مما أثَّر على سير عمليات الملاحة العربية التجارية، بل وعلى إنهائها بشكل كبير، إلى جانب افتقادها المركز التجاري الذي اشتهرت به لقرون طويلة خلت، فأصبح المستعمر البرتغالي المدعوم بحلف الشر من حكومة الدولة الصفوية سيد الموقف، وتأثرت بذلك التجارة العربية في موانئ البحر الأحمر والخليج العربي مما أضعف الحكومات والممالك القائمة فيها آنذاك.
ضربوا التجارة العربية وطوقوا الموانئ الحيوية، واحتلوا أهم المواقع.
- جلال يحيى، التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر.. سيطرة أوروبا على العالم (الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 1990).
- فالح حنظل، العرب والبرتغال في التاريخ (أبو ظبي: منشورات المجمع الثقافي، 1997).
- عبد اللطيف الحميدان، تاريخ البصرة والحساء والقطيف 1505-1552م (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 2020).