ضمن استراتيجية حكم الملالي في إيران
ركبوا القضايا العربية؛ سعيًا لإسقاط الأنظمة الحاكمة ودعم الموالين لهم للوصول للسلطة
اجتهد الفُرس على المستويات السياسية والعسكرية، وحتى العَقَدية، من أجل مواصلة التجييش ضد العرب، وهدفهم الأسمى السيطرة على العالم العربي وإخضاع دُوَلِه، والتي يعتقدون أنها ستتساقط تباعًا كأحجار الدومينو، من خلال الأجندة التي يتبعونها بزرع ميليشيات في بعض الدول.
وفي هذا السياق يوجِّهنا التحديد الاصطلاحي إلى الدفع بأن ظاهرة الاختراق تفترض “مشاركة أطراف خارجية بالتزامن مع أطراف داخلية في صناعة القرارات السياسية داخل الدولة الُمختَرَقة بما يتَّسق مع أهداف الدولة المخترِقة”، وهو المُعطَى الذي يمكن تلمُّسه على الأرض، خاصة منذ وصول الملالي إلى الحكم سنة (1979) على متن طائرة فرنسية وبمباركة غربية، ومهما ادَّعى البعض توجُّسه من الملالي الذين عبَّروا دائمًا عن مرونة كبيرة في تلبية مطالب الغرب بشكلٍ تجاوَز التحالف الإستراتيجي الذي رفع الشاه إلى مرتبة “دركي الغرب” في المنطقة.
ورغم العداء الفارسي المتأصل ضد كل ما هو عربي، فإن فترة حكم الشاه لم تسجِّل إستراتيجية ثابتة في استعداء العرب، أو توجُّهًا لإخضاع الدول العربية لأجندة إيران، وذلك بالرغم من التدخل الإيراني في بعض المناطق بمباركة من الغرب، كما حدث مع سلطنة عُمان، وبالمقابل فإن وصول الملالي إلى الحكم جعلهم يركبون القضية الفلسطينية ومشروع “تصدير الثورة” من أجل إسقاط الأنظمة العربية، وخاصةً الملكية منها، وبالتالي إخضاع المنطقة للحكم المباشر لملالي إيران.
إن الاختراق الإيراني للمنطقة العربية كان دائمًا في حاجة إلى طابور خامس داخل هذه البلدان، وهو ما وجدَتْه إيران في جزء من الأقليات الشيعية التي اعتقدت واهِمةً أن هناك تقاطعات مذهبية مع إيران، وبالتالي اجتهدوا في تخريب بيوتهم بأيديهم، ورفعوا شعارات الولاء للفرس، واعتنقوا عقيدة الولي الفقيه (خليفة صاحب الزمان ونائبه بالحق)، كما ادَّعى وزعم بذلك رأس “حزب الله اللبناني” حسن “نصر الله”.
لقد اجتهدت إيران في تنويع أساليب التغلغل والاختراق، وذلك باللجوء إلى القوة الناعمة تارةً، وتارةً بالعمل على خَلْق مناطق للتوحش وإدارتها بطريقة تمكِّنها من التغلغل في المنطقة، وإلحاقها بالنفوذ الإيراني، وهو نفس التكتيك الذي تعتمده التنظيمات الإرهابية، الذي نَظَّر له أبو بكر ناجي في كتابه “إدارة التوحش”.
أسهم الحليف الغربي والطابور الخامس في التغلغل الإيراني بالمنطقة العربية.
غير أن تكتيكات التوحش التي تتبنَّاها التنظيمات الإرهابية (في تَمظْهُراتها السُّنية والشيعية) لم تكن لتنجح في دولة قوية تمتلك شرعية تاريخية ومشروعية دستورية وقانونية، ولذلك “وجدت إيران في أزمة بناء الدولة العربية وسيلة مهمة في اختراق مؤسسات السلطات الرسمية وغير الرسمية… وقد مكَّنها في ذلك العديد من أذرُعها الخارجية، كوكالة المخابرات القومية، أو السفارات الخارجية، أو صناديق التنمية الاجتماعية والدينية”.
إن تغلغُل إيران المباشر أو غير مباشر في الدول العربية جعلها تتحكَّم في أهم مفاصل الدولة المختَرَقة، وبالتالي امتلاك ناصية القرار السياسي، “حتى وصل الأمر أحيانًا في الاعتراف أو عدم الاعتراف بالمؤسسات الحاكمة نفسها”، في ظل تَشرْذُم المشهد السياسي، وعدم الالتفاف على أسرة أو رمز عروبي قادِر على الوقوف في وجه الأطماع الإيرانية.
ويُمكِن القول بأن نجاح التغلغل الإيراني في المنطقة العربية لم يكن مَناطُه أو مَرَدُّه، بالضرورة، قوة إيران العسكرية أو السياسية، وإنما وجود طرف ثالث متمثِّل في الحليف الغربي، أو جماعات شكَّلَت طابورًا خامسًا داخل الدول العربية، وهنا نسجِّل بأن مجموعة من تنظيمات الإسلام السياسي وباقي التنظيمات الإرهابية، سواء تلك التي ادَّعَت انتماءها للسُّنة أو للشيعة، كانت معولًا خبيثًا نَخَرَ العديد من البلدان العربية والإسلامية.
ولعل حب الاستنساخ والتقليد قد تمكَّن من بعض التنظيمات الدينية-السياسية التي “أعربت عن تأثُّرها بالنموذج الثوري الإيراني، وعدَّته نموذجًا قابلًا للتقليد، من جانبها اعتنقت إيران مبدأ العالمية الإسلامية، وجاهَرَت أحيانًا بدعمها لبعض الحركات الإسلامية… ولهذا فإن بقاء الثورة الإسلامية في الحكم في إيران في حد ذاته يمثِّل مصدر دعم للعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة، خاصة تلك ذات الطابع العنيف”.
إجمالًا يمكن القول بأننا أمام مؤامرات ثلاثية الأبعاد والأطراف على بلادنا العربية، وإزاء “مثلث الشر” أضلاعه الثلاثة عدو مُتربِّص (إيران)، وآخر متواطئ ومتآمِر (الغرب)، وثالث خائن وعميل (التنظيمات السياسية-الدينية “العربية” الموالية لإيران)، وهو ما يدفعنا إلى ضرورة التفكير في إستراتيجية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار هذا الثالوث الخبيث والمتآمر.
- خالد المطلق، “الغزو الإيراني للدول العربية.. الخطط والمآلات والحلول”، موقع مركز حرمون للدراسات المعاصرة (2021).
- محمود الجازي، “النفوذ الإيراني في المنطقة العربية على ضوء التحولات في السيادة الأمريكية تجاه المنطقة 2003- 2011” (عمَّان، الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2014).
- وصفي عقيل وخالد الدباس، “الاختراق السياسي الإيراني لدول الجوار العربي.. دراسة حالة العراق، البحرين، اليمن”، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة اليرموك -الأردن، مج.45، ع4 (2018).