الإمامة التاريخ المشترك بين إيران واليمن
إن أحكام وفتاوى وسياسات وآراء أئمة البلدين – في كل من اليمن وبلاد فارس – كانت تسري على جميع المنتمين إلى المذهب المعتمد في كلا البلدين، وأينما كان توحيد المذهب موجود، باعتباره صادرًا عن مدرسة دينية واحدة مشتركة، عابرة لحدود الأقاليم، وخصوصية المكونات القومية والقبَلية تسري على الجميع، وتلك نظرة قاصرة؛ لأن الانقسامات التي تظهر خير مؤشر على زعزعة أمن واستقرار الشعوب، وتنعكس بالتالي على العلاقات الخارجية.
لا يمكن تجاهل الكثير من الشواهد والأدلة التي تشير إلى وجود علاقة بين اليمن وإيران، سواء على مستوى الشعارات والخطاب، أو على المستوى العملي، وأبسطها حديثًا الرحلات الجوية بين صنعاء وطهران مرتين في اليوم، وفي المقابل يُلاحظ أنه لا تربط بين البلدين أية علاقات تجارية أو اقتصادية أو اجتماعية تُذكَر، فما هي أسباب تلك التوجهات منذ أواخر القرن الماضي، لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتبدُّل العلاقات السياسية والمصالح المشتركة.
تتباين علاقات اليمن مع إيران، وتُشكِّل امتدادًا للإمامة التي حكمت اليمن لمئات السنوات، وتوسُّع الحركة كان نتاجًا لعوامل داخلية متعلقة بطبيعة الصراعات الثأرية بين الأطراف السياسية المختلفة، حيث استخدم كل طرف منهم أداة للانتقام من الآخر، حتى كبرت الجماعة داخل كل من البلدين وسط حالة فراغ سياسي كبير تعيشه.
على النقيض ينعكس ارتفاع الأصوات في اليمن بشعارات وأنواع من الخطابة يتظاهر بأنه يحارب قوى الإمبريالية والاستعمار، إلا أن تحركاته العملية تقول: إنه ليس إلا قوة عسكرية تسعى للسيطرة على الحكم منفردًا باليمن –الجماعات المسيطرة- ، ورغم بروز أنشطة فيها نبرات الخطاب المعادي لأمريكا مثلًا الا أننا نجدهم يُبْدُون حُسن النية للتعاون معها في مكافحة الإرهاب، ولم يتعدَّ ذلك الخطاب أكثر من ارتفاع الصوت به، كذلك تحاول القوى المسيطرة في اليمن التظاهر بالالتزام بالاتفاقيات المعلنة مع الدول المجاورة، وخاصة مسألة تأمين الحدود، إلا في حالة انتكاس تلك الاتفاقات أثناء الحرب، لكن باختصار الجماعة اليمنية والإمامية فيها لا تسعى لدور إقليمي فحسب، ونجد أن إيران ليست لديها مصالح تحافظ عليها باليمن، بل ترى فيها بأنها موضع قدم لساحة ترى فيها إيران جبهة استنزاف الدول المجاورة دون أية مخاطر تنعكس عليها وبكلفة منخفضة، وذلك كله تحت مظلة “الإمامة المشتركة”، فالعاطفة الدينية واستدرارها خير الوسائل لبلوغ الأهداف بأقصر الطرق.
إن الصراع اليمني صراع داخلي بامتدادات إقليمية لمصالح متعددة للإمامة الفارسية، مما نتج عنه الفشل في بناء تحالفات يمنية إيرانية داخلية، لذلك ستحتاج إيران لجهود مضاعفة في تعويض ضَعْف وضعهم الداخلي سياسيًّا أمام شعوبهم.
لقد كانت المفاجآت في الساحة الداخلية اليمنية، وتقلُّب الولاءات فيها، خاصة ضد الإمامية، واهتزاز مكانتهم الدينية، مؤشرًا خطيرًا على شركاتهم مع إيران.
حقيقة لا بد من استيعابها
تظل إيران جاهلة بالشأن اليمني، وغير منخرطة فيه بقوة بحكم البُعد الإقليمي في العصر الحديث والمعاصر، رغم الروابط القديمة المعقدة بينهم.
لكنها روابط الزيف واستغلال شواهد لغسل أدمغة الجيل الذي ظل مشتتًا، ويعاني في وحل الأوضاع الراهنة.