أجمع الفرس والترك
على كراهية العرب الذين عاملوهم بالدين ومكارم الأخلاق
قُدِّر على العرب أن يعيش على تخومهم أمتان مناهضتان ثقافيًّا، وطوال 1400 عام مع الفرس، وألف عام تقريبًا مع الترك، لم تزَل النظرة الاستعلائية والعنصرية المفتعَلة التي رأى بها الفرس والأتراك العرب قائمة، ففي نظرهم في نهاية الأمر أن العرب مجرد أمة بدوية لا تستحق رسالة الإسلام.
وقُدِّر على العرب أيضًا أن يتجرعوا الكراهية والعنصرية والتعالي، ويتعاملوا بدينهم ومكارم أخلاقهم العربية، فلا يمكن لأي باحث حصيف أن يجد في الأدبيات العربية ما يؤسس لكراهية الشعبين الفارسي أو التركي، بينما العكس صحيح، وجولة في كتب التراث أو المناهج الدراسية للترك والفرس تكشف حجم البغضاء التي تخرج من أفواههم.
يُجمِعون على الكراهية:
إذا وُجد أكثرُ قاسم مشترك بين الترك والفرس فهو كراهية العرب واحتقارهم وتمنِّي زوالهم، بل والتنسيق لإبقائهم خارج سلم الحضارة، ولعل المزاج الشعبي والفلكلوري التركي والفارسي يحملان سمات متشابهة في نظرتهم للإنسان العربي، وتحميله ذنوبًا لم يرتكبها في حقهما، بل وحتى التأخر والسقوط السياسي والحضاري حمَّلوه للإنسان العربي.
الفرس يرون أن هزيمتهم في معركة القادسية أدَّت بهم الى التراجع حضاريًّا، ودخولهم في مرحلة الصمت التي توصف –حسب زعمهم– بالصمت الطويل الذي استغرق 200 عام، منذ القادسية وحتى 250 للهجرة، ويفسرونه بأنه تسلُّط الثقافة العربية وطغيانها في بلاد فارس بعد دخول الإسلام، ويعتقدون أنه دفعهم ثقافةً ومعمارًا ومجتمعًا للدخول في صمت طويل خوفًا من العنصر العربي.
الترك أيضًا يرون أن العرب خانوهم وطعنوهم في خاصرتهم بإعلانهم الاستقلال ببلدانهم عما يسمى السلطنة العثمانية، التي أتت بعد احتلال متفرق تجاوز في مجمله أكثر من أربعة قرون، سادها التأخر والتجهيل والتتريك، وإذا كان مِن مُخاصم أو معاتب أو متضرِّر فهم العرب الذين تأخَّروا فعليًّا في التطور الحضاري بسبب الاحتلال العثماني لبلدانهم، وتوجيه التعليم وأدوات التحضر إلى البلاد التركية الأصلية في الأناضول، مدنًا وقرى، بينما أُهمِل العرب أيَّما إهمال.
لم تكن كراهية العرب في وجدان الإنسان العامي الإيراني والتركي مصادفة أو مجرد آراء شعبوية عابرة، بل ثقافة شعوبية واستعلائية ممنهجة ومترسخة، حوَّلها رجال السلطة والمثقفون إلى ممارسة يومية في الشارع، وتجري على الألسنة.
على سبيل المثال حرص المثقف الإيراني على ملء تدوين كراهية الإنسان العربي واصفًا إياه بالبدوي آكل السحالي، الذي تجرأ على الحضارة الساسانية، وما نجده في التراث الفارسي الإيراني هو جزء من مخطط طويل وراسخ في العقل الإيراني لإفشال العرب وإعادتهم إلى الصحراء مجرد بدو هائمين.
شعوبية الفرس والترك ممنهجة ضد العرب.. تسير وفق تربية وخطط وتعليم.
إن أي مُنصف يراجع المنشور من الأدب الفارسي، سواء كان المعاصر أو المتقدم منه، يجد أن التراث الفارسي قائم على كراهية العربي وإرثه، وكل ما يأتي منه دون غيره من الأعراق الأخرى المحيطة ببلاد فارس، وبنظرة سريعة لبعض الألفاظ الاستعلائية في الأدب الفارسي تجاه الإنسان العربي، نجدها لا تخرج عن الموبوئين القذرين البشعين الأغبياء، ذوي الجلود السوداء.
وعند الأتراك نجد تشابهًا في الكراهية والتعالي، فهم يصفون العرب بالشحاذين (ديلنجي عرب)، والمصريين بـ (كور فلا) أي الفلاحين الأجلاف، كما أن كلمة (يس عرب) تعني: العربي القذر، وألصقوا كل ما هو متدنٍّ بالعرب، فعرفوا الرقيق والعبيد والحيوانات السوداء بلفظ “عربي”، أما أشهر عباراتهم فهي عرب خيانات، أي: العربي الخائن.
هي ليست ألفاظًا عابرة أو تعريفات وقتية، فما قيل قبل ألف عام في فارس والأناضول التركية لا يزال يتردد صداه لليوم ضد العرب، ومنه تنطلق الحملات والسياسات، ومنه تخرج المواقف الصلبة والمضادة لكل ما هو عربي، إنها قواسم مشتركة وترسبات ثقافية عميقة تتجذر في العقل والوجدان التركي والفارسي، تقودهم إليها نظرة غير محقة وعنصرية فاشية، لا يمكن أن تحفز الشعب إلى التسامح، بل تخلق حالة من العداء المستدام والمشترك ينطلق من سهول الأناضول وخراسان إلى الفضاء العربي.
العرب وحدهم مَن يوصفون بألفاظ عنصرية:
بالرغم من أن الأتراك والفرس يقفان حاجزَين جغرافيَّين بين العرب وغيرهم من الشعوب، إلا أن الأتراك والفرس ركزوا فوقيتهم وعنصريتهم للإنسان العربي، حتى الإسلام الذي جاء على لسان عربي وأُنزل على نبي عربي لم يَسْلَم منهم، وحمَّل البعض منهم الإسلام مسؤولية تأخُّرهم، وحاولوا استلابه من عروبته وتفرسيه تارة وتتريكه أخرى.
يشرح المفكر الإيراني الأستاذ في جامعة طهران صادق زيبا العلاقة الإيرانية بالعرب قائلًا: “أعتقد أن الكثير منا –يقصد الإيرانيين- يكرهون العرب، للأسف الشديد الكثير منا كفرس عنصريين!”، ويضيف “الكثير من المثقفين الإيرانيين يُبغضون العرب، والكثير من المتدينين ينفرون منهم، إلا أن هذه الظاهرة أكثر انتشارًا وحِدَّة بين المثقفين الإيرانيين”.
الروائي صادق جوباك يرى “العربي” منافقًا ودميمًا ومتوحشًا، ويعتبر أن “النفاق السامي” – نسبة الى عِرق الساميين- دمَّر الذات الإيرانية وهزمها، ويُمرِّر عبر نصوصه أمثلة كهذه: “عليك أن تحترس في البصرة وتحرص على أغراضك هناك، فحالما تدير وجهك يسرقك العرب، ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب”.
أما في “الشاهنامه” نفسها، وهي أُمُّ التراث الفارسي، فقد وصل الانكشاف الحاقد على العرب إلى حد الاحتجاج على “الرب المقدس” في عُلاه بعد هزيمة أجداده الفرس أمام العرب قائلًا: “لقد بلغ الأمر بالعربي ممن شرب لبن الإبل، وأكل الضباع للطموح إلى تاج الكيانين.. فأُفٍّ لك يا فلك السماء”.
استهداف العرب في الثقافة الفارسية ينكشف في إطلاق كلمات ومفردات بشعة، تدور أغلبها في التالي: لصوص، قُطَّاع طرق، وحوش، غرباء، آكلو السحالي، متطفلون، مدمرون، متخلفون بلا حضارة، قادمون من الصحراء، أعراب، متوحشون، قساة، متعطشون للدماء، موبوءون، قذرون، بشعون، وأخيرًا أصحاب الجلود السوداء.
وهو أمر لا يختلف عند الأتراك؛ إذ تقول الدكتورة هند أبو الشعر، في محاضرة نقلها عنها كتاب النهوض العربي ومواكبة العصر: “إن الصورة النمطية عن العرب في الكتب المدرسية التركية تحتاج إلى مراجعة واعية؛ لأن الصورة الحالية لا تخدم العلاقات المستقبلية”، وهنا تلخص أبو الشعر حالة كراهية ممنهجة يتم زرعها في النشء التركي، فكيف سيتعامل وكيف سينظر شاب تركي إلى العالم العربي، وهو ناشئ طوال حياته الدراسية على مناهج تطبع فيه كراهية العرب، وتحمِّلهم مسؤولية خسارة أمَّته لموقعها السياسي والعسكري، كما أن القوميين الأتراك ذهبوا إلى ربط سبب تأخُّر الدولة العثمانية والأتراك بالتراث الإسلامي، الذي أخذه الأتراك ونقلوه عن العرب، وشرعوا بإلغاء وحظر المظاهر الإسلامية من الفضاء العام، التي رأوها مرتبطة بالتأخر، إن مثل هذه الإشارات ليست عابرة، بل هي ترسيخ للتعالي والكراهية لا يمكن أن تُزال إلا عبر مشروع يستمر لعقود.
- جويا بلندل، صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث (دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، 2007).
- خالد بشير، كيف ينظر الفُرس إلى العرب؟ موقع حفريات (8/1/2020)، على الرابط: https://2u.pw/Zsk0xKf.
- مجموعة مؤلفين، النهوض العربي ومواكبة العصر، مراجعة: صلاح جرار (د.م: المؤسسة العربية، د.ت).
- نبيل العتوم، صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية.. دراسة استقصائية علمية (عمَّان: مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية ودار عمار للنشر، 2015).