حاج بكتاش وقيادة الجيوش
الطريقة البكتاشية طريقة صوفية شيعية الحقيقة والمنشأ، ولكنها مع ذلك تربَّت وترعرعت في تركيا ومصر، واستقرَّت في ألبانيا، أسَّسها “حاجي بكتاش ولي”.
من أين أتت؟ وكيف انتقلت؟ تداخُلاتها عميقة، وامتطاؤها أعمق من أجل الوصول لأهداف سياسية وغيرها.
تمتد جذور الكثير من الطرق الصوفية الشهيرة في مصر إلى أصول تركية، نتيجة تبنِّي العديد من الخلفاء العثمانيين المنهج الصوفي، إضافة إلى نشأة عدد كبير من هذه الطرق في منطقة الأناضول، وامتدادها في بلاد خراسان، التي تأثرت بالحضارة الفارسية وحضارات أواسط آسيا، التي وصلت لمصر مع الدولة العثمانية، ومن أبرز هذه الطرق المولوية، والبكتاشية، وكذلك النورسية ذات الطبيعة الخاصة، وقد ارتبطت تلك الطرق ارتباطًا وثيقًا بالسياسة المصرية والحكام المصريين في عهود طويلة، خاصة أسرة محمد علي ذات الارتباط الوثيق بالطريقة البكتاشية.
ومحمد علي باشا أحد القيادات العثمانية، وتولَّى أمر إدارة ولايات وأقاليم باسم الدولة، ثم بلغ مبلغ القائد المستبد، وبرعاية سلطانية، والمطلوب إعلان ولاء وطاعة.
برز دور البكتاشية في عهد أسرة محمد علي الذي كان تربطه بهم علاقة خاصة تسمح لهم بالتدخل في أمور الحكم، وقد ذكر الجبرتي في تاريخه شيئًا من ذلك، فقال: إن مِن بكتاشية محمد علي باشا المُقرَّبين عبد الله بكتاش الترجمان، وتاريخ الجبرتي مليء بروايات تاريخية توثق لذلك.
من تاريخ القيادات البكتاشية ما حدث عندما اجتاحت قوات إبراهيم باشا حلب والأناضول أعادت التشكيلات الإنكشارية، ونحَروا القرابين في التكايا البكتاشية بأمر البكتاشي الباطني قائد القوات العثمانية إبراهيم باشا، الذي يعلن محمد علي باشا بأنه ابنه.
ومما يؤكد ارتباط أسرة محمد علي باشا الألباني أصولًا بالبكتاشية اهتمام حُكام العائلة وأتباعها بالتكية البكتاشية والبكتاشيين، ومن القرائن على ذلك وجود ضريح الأمير كمال الدين حسين وعائلته في تكية البكتاشية سابقًا، قبل نقله إلى مقابر العائلة المالكة بالبساتين، ومن قرائن الأدلة على الارتباط “الأرنؤوطي” الألباني بالبكتاشية “البكطاشية” “البكداشية” وجود تابوتين في مقبرة التكية البكتاشية لكل من الأميرة روحية والأميرة نافية ابنتي الملك الألباني السابق أحمد زغو البكتاشي، الذي تولَّى حكم ألبانيا سنة 1341هـ/ 1922م، وأقام في مصر فترة من الزمن.
لقد ازدهرت البكتاشية في مصر في عهد شيخها الأرنؤوطي “أحمد سري دده بابا”، الذي تولى أمر التكية سنة 1917م، ومن علاقاتهم أنهم أقاموا علاقاتٍ وثيقةً مع باطنية إيران، ومما يؤكد ذلك التغلغل الفارسي الباطني بين بكتاشية مصر حسبما ذكر بعض الباحثين وجود لوحتَين من الرخام الملون في التكية البكتاشية، كُتِبَتا باللغة الفارسية، وتحتوي كلٌّ منها على النَّصِّ التأسيسي لتجديد الضريح الذي قام به كلٌّ من الأمير كمال الدين حسين نجل السلطان حسين، والأمير لطفي دده بابا – أحد شيوخ التكية البكتاشية.
واحتوت تلك التكية على ما يُعرف باسم الكوشك، وكان خاصًّا بشيخ البكتاشية أحمد سري دده بابا، وقد أنشأ الكوشك سنة 1374هـ / 1954م.
ومنذ ذلك الوقت أصبح المقرُّ الرئيس للبكتاشية العالمية في مصر، وأصبح أحمد سري (دده بابا) شيخ مشايخ البكتاشية، وفي كانون الثاني/ يناير سنة 1957م أمرت حكومة الجمهورية المصرية بإخلاء تكية المقطم، وأعطت البكتاشيين مقرًّا آخر في ضاحية المعادي فصمَّموه على غرار التكايا البكتاشية، ثم نشط البكتاشيون في مصر، وجدَّدوا تكاياهم القديمة، وأنشئوا الكثير من المكتبات والمراكز السرية، وأقاموا علاقات قوية مع آغا خان الإسماعيلية، وزوَّدَتهم سفارة جمهورية إيران الخمينية بالمطبوعات، وعاضدهم نصيرية سوريا العلويين أبناء جبل اللُّكام، وبقية اتباع الحركات الهدّامة وأهل البدع.
كُتِبت الأبحاث والمؤلفات عن الإنكشارية والطرق البكتاشية، وانتشارهم بين فارس وتركيا، واستقصاء أخبارهم وتتبعها بين صفحات علوم متعدِّدة الفروع كالتاريخ وغيره.