صراع الامتيازات
نواتج ونتائج
بدأت مشكلة الامتيازات منذ أواخر القرن 10هـ/16م، حيث بدأ معها صراع طويل بين القوتين الاستعماريتين، بريطانيا وفرنسا بالدرجة الأولى، وانضمت إليها فيما بعد روسيا القيصرية، فألمانيا من أجل الاستحواذ على أكبر مساحات ممكنة من أراضي الدولة العثمانية حين تصل إلى نقطة الانهيار الكلي.
وبدأ التنافس الحقيقي على اقتسام أوصال الدولة العثمانية في القرن 13هـ/19م – وقد ذكرت ذلك سابقًا- وتم عقد الأحلاف والاتفاقيات بين تلك الدول المتنافسة حتى تستأثر كل واحدة منهم بنصيب الأسد من أملاك ليست أملاكها أصلًا؛ لأنها دول وقعت تحت السيطرة القهرية.
يقول المؤرخ الروسي مولوفيف Moullofif : “إن مسألة الشرق تشمل قيام الدول والشعوب الأوروبية المسيحية بإدخال الأمم الشرقية المسلمة تحت نفوذها الاقتصادي والسياسي..”.
اشتد الصراع الإمبريالي على الحصول على امتيازات تستطيع من خلالها الدول الاستعمارية حماية رعاياها، التي أصبحت بمرور الزمن لم تَعُد خاضعة لقوانين الدولة ولا حماية سلطانها.
وبدخول القرن 14هـ/20م، اشتد التنافس الاستعماري، وانتهى الأمر إلى الاتفاق الجماعي على ضرورة اقتسام ممتلكاتها، تنفيذًا لمشروعهم الاستعماري الناتج عن تغلغلهم في مِنح الامتيازات الأجنبية، وبتردد صدى قيام الجمهورية التركية حدث تغير في مجرى الأحداث التاريخية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى 1339هـ/ 1918م، وذلك بسبب ما كان يجري في الأناضول بقيادة مصطفى كمال الذي استطاع أن يعقد تحالفات ومعاهدة سيفر sevres مع الدول المنتصرة في سنة 1340هـ/1920م وكانت إذلالًا تامًّا للدولة ونهايتها، وعلى حساب الدول التي كانت تسيطر عليها، فقد كان من ضمن بنود المعاهدة تَخلِّي الدولة عن معظم أراضيها وأقاليمها غير التركية، بل وكثير من أراضي الأناضول، ووضعت المضائق في يد لجنة دولية، وأعيد نظام الامتيازات، وأعيد فرض الحقوق التقليدية للأقليات في الدولة كالحماية الدولية لهم.
لقد كان التنازع شديدًا بين الدول الاستعمارية، فمثلًا تنازع الإنجليز والفرنسيين على حماية الأجانب في الدولة كالأرمن والبلغار وسكان الجبل الأسود الذين لم يكن لهم وزراء أو ممثلين أو قناصل زمن الدولة العثمانية، رغم أنهم أقليات ضمن التركيبة السكانية ضمن مجتمع القومية التركية.
إذا ما سلطنا الضوء على قانون من قوانين الدولة التي كانت ضمن أسباب تقويض دولتهم نجد مثلًا إعلان قانون العدالة الذي أصدر في عام 1292هـ/1875م، وقد نص على المساواة بين المواطنين الأتراك والرعايا من المسلمين وغير المسلمين، كما نص على المساواة في جمع الضرائب، وتضمن تسهيلات للنصارى في فتح المدارس وفي شئونهم الأخرى، وذلك الزمن كثرت التناقضات والازدواجية في المعايير، كان القانون ينص على ممارسة حرية الدين والصحافة والتملك والتجارة، وتأسيس المؤسسات التجارية أيًّا كانت، وحرية التعليم، ونص على غض النظر عن الدين أو المذهب، وتعيين ممثلين في المجلس لكل العناصر والطوائف التي تشكل الدولة العثمانية.
قانون العدالة وتغيير نظام الحكم صدر في عهد السلطان عبد الحميد، ونسخة ذلك القانون نسخة من القوانين الغربية وامتداد للتجارب والممارسات العثمانية السابقة، وكانت مسودته قد تم وضعها على يد لجنة من العلماء والموظفين المدنيين الذين رأسهم مدحت باشا، وحين قدم إلى السلطان وافق عليه، وأضاف فقرة إعطاء الحق لمن يريد أن يعترض.
ذكر بعض المؤرخين أن السلطان عبد الحميد ركز في استصدار الدستور وما جاء فيه من قوانين أن يجدد في علاقاته مع الغرب والأخذ من حضارتهم بما يتلاءم مع ثقافتهم والدين، وأن العقل هو سلاح التفوق على الغرب.
كانت أصداء الدول الغربية أن أصحاب الملل في الدولة حقوقهم تتفاوت، ولا يعتبر مساواة لاختلاف نسبتهم بين السكان، ورأى الطرف الداخلي أن ذلك يقدم المزيد من الرضوخ للغرب، لذلك طالب البعض منهم كالأرمن والبلغار بالاستقلال.
والأصداء العربية تأكدت أن الدولة تتجه بهم نحو التسليم للغرب ضاربة عرض التاريخ والحضارة بمصالحهم، وللاتحاد والترقي دور التفتيت.