في محاولة تشويه التاريخ
العثمانيون تحالفوا مع الأعداء في كل اتجاه
بقصد تشويه ومحاربة الدولة السعودية الأولى
كانت الدولة العثمانية قبيل قيام الدولة السعودية الأولى تمر بحالة من الضعف والوهن بسبب الهزائم المتوالية التي مُنِيت بها في أوروبا، وكان الفرنسيون والإسبان يقودون الحرب من جهة الغرب العثماني، والروس من جهة الشرق والشمال، إلى أن جاءت هزيمتهم المدوية أمام الروس، وتزامنت في وقت مقارب مع قيام الدولة السعودية الأولى في العام (1727).
لم تكن نجد ضمن الاهتمامات العثمانية:
مع قيام الدولة السعودية الأولى والاحتضان الشعبي غير المسبوق، بدأ ولاة الأقاليم المجاورة في إيغار صدور العثمانيين وتأليبهم عليها، وتصويرها كعدو محتمل للسلطنة من خلال نفوذها في الجزيرة العربية، مع أن إقليم نجد لم يكن ضمن اهتمامات العثمانيين أبدًا؛ كونها أراضٍ قصية وقاحلة وبعيدة عن مراكز الثروات.
لم يقف العثمانيون متفرجين وهم يشاهدون توسع السعوديين في الجزيرة العربية وتمددهم إلى العراق شمالًا، وسواحل عمان واليمن جنوبًا، ومحررةً للحرمين الشريفين من احتلالهم، فبدؤوا بمجموعة من المراجعات عن الدولة السعودية وسياساتها وفكرها؛ ليتولد لديهم قناعة بأن الدولة السعودية الأولى تشكِّل تحديًا سياسيًّا ودينيًّا لها، الأمر الذي استدعى السلطان العثماني لحشد قواه للوقوف في وجه هذا التحول الهائل في البنية السياسية والفكرية في الجزيرة العربية، والمحتمل تمددها للعالم العربي بأكمله.
لماذا تنبى العثمانيون سياسة معادية للدولة السعودية الأولى؟
كان لنهضة الجزيرة العربية، وتحولها إلى مركز حضاري وتعليمي، وقيام دولة عربية حقيقية من أبنائها؛ أثرُه الكبير لجعلها هدفًا للعثمانيين يجب القضاء عليه، فالعثمانيون تعمدوا إخفات صوت الحرمين الشريفين وحرمان المسلمين من أن يتحول إلى مركز معرفة وتعليم، وبالتالي إعطاء العرب أهمية تفوق إسطنبول، فإذا بهم يفاجؤون بأن الوطن ينهض من عمقه في قلب الجزيرة العربية، والْتَف الناس سريعًا حول دولتهم التي افتقدوها، ووصل صداهم إلى أصقاع الأرض حينها.
لقد كانت الحرب العثمانية على الدولة السعودية الأولى تقوم على ثلاثة محاور مهمة: الأولى عسكرية، من خلال إرسال الحملات المتتالية وحشد الجهد الحربي والقتالي، وهو الذي استنزف العثمانيين وولاتهم بعدما اصطدموا بقوة السعوديين وشجاعة جيوشهم وولاء أبناء الجزيرة العربية لدولتهم.
أما الثاني فكان بتأليب القبائل والأقاليم بالمال والدسائس، وهو أمرٌ فشل العثمانيون فيه أيَّما فشل؛ فقد كان الولاء راسخًا، وخاصة بعدما لمس السكان المحليون أن دولتهم التي تمثلهم وتشبههم رشيدة وحريصة على أن تنهض بهم وبوطنهم، وتفرض الأمن والاستقرار الذي افتقدوه قرونًا قبل قيام أول دولة عربية تمثل الأرض والإنسان حقيقةً.
وثالث المحاور هو ما سعى العثمانيون لترويجه من دعاية ضد السعوديين ودولتهم في الأقطار المختلفة، حيال فكر الدولة ومحاربته، رغم نقاء عقيدته وصفاء منهجه، وهذا أيضًا فشلوا فيه فشلًا ذريعًا؛ لأنه لم يكن مؤثرًا. وحاول العثمانيون تصوير الدولة السعودية على أنها دولة خارجة عن الخلافة المزعومة لهم زورًا، رغم أنهم لم يحرصوا على تبيعة سوى الحرمين الشريفين؛ لما يمثله ذلك لهم من قيمة معنوية لفرض الاحتلال والقهر، ومع ذلك كان واقع الحرمين خلال أربعة قرون يعكس كثيرًا من الإهمال والتجهيل المتعمد من العثمانيين.
أسباب العداء العثماني للسعوديين:
اعتبرت الدكتورة جواهر آل سعود أن استرداد السعوديين للحرمين الشريفين في عصر الدولة السعودية الأولى سببٌ نتج عنه تواتر الرسائل بين السلطان العثماني ورجالات دولته وولاة الأقاليم لإيجاد حلول للحد من نفوذ الدولة السعودية والسيطرة على طموحها أو القضاء عليها، وهو ما دفع الدولة إلى إرسال هيئة للتحري عن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود الذي عُدَّ كواحدٍ من أقوى قادة السعوديين، ولفتت الباحثة إلى أن والي بغداد -العثماني- علي باشا كان على دراية بترتيبات التخلص من الإمام عبد العزيز وابنه سعود، وحين لم يتيسر الوصول للأمير سعود جاء الخنجر الذي غُرس في ظهر الإمام عبد العزيز أثناء صلاته العصر وتسبب في وفاته واستشهاده رحمه الله (1803)، ولم يسعفه الحظ لمشاهدة استرداد جيوشه بقيادة ابنه الأمير سعود المدينة المنورة من العثمانيين، وقد تسابق الولاة في إرسال بشائر مقتل الإمام عبد العزيز للسلطان العثماني.
التحالف العثماني الإنجليزي:
كان لنجاح الدولة السعودية الأولى ووصولها إلى الخليج العربي صداه عند البريطانيين الذين ثارت مخاوفهم من ذلك، وقد أكدت التقارير البريطانية أن طموح السعوديين في دولتهم الأولى لم يقتصر على ضم أقطار الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق فحسبُ، وجاء ذلك بعد تأكيد القنصل البريطاني في مسقط أن الإمام سعود بن عبد العزيز يتطلع لمدّ نفوذه خارج الجزيرة العربية نحو الهند، وأكدت ذلك تقارير والي جدة إلى السلطان العثماني، ما زاد من القلق البريطاني بعد وصوله إلى مناطق نفوذها على الخليج العربي، وتطلعه إلى مناطق نفوذها في الهند.
مشاركة الصفويين للحملة ضد السعوديين:
وفي تعليق آخر للدكتورة جواهر آل سعود تؤكد أن الوثائق العثمانية كشفت عن مطالبة الشاه الفارسي الدولة العثمانية بضرورة العمل على القضاء على المد السعودي الذي اقترب من مناطق الفارس من جهة سواحلهم الشرقية من الخليج العربي، وهو ما دفع الدولة العثمانية إلى إرسال موفد رسمي بهدف تطييب خاطر الشاه وتأكيدها العمل على تنفيذ رغبته، وهو ما يؤكد سعي أئمة الدولة السعودية الأولى لإنشاء إمبراطورية عربية تهدف إلى القضاء على النفوذ الأجنبي وتعمل على منافسة القوى العظمى.
العثمانيون والفرس والإنجليز سعوا لهدف واحد بقصد محاربة الدولة السعودية الأولى.
- إسماعيل ياغي، “بريطانيا والدولة السعودية الأولى”، الرياض، مجلة كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ع.1 (1977).
- جواهر آل سعود، “الدولة السعودية الأولى شكلت الخطر الحقيقي على العثمانيين والنفوذ الفارسي”، صحيفة الشرق الأوسط، 22 فبراير (2022).
- صالح السعدون، “العلاقات بين الدولة السعودية الأولى ومملكة فارس“، مجلة الدرعية، ع.46 (2009).
- عايض الروقي، “علاقات الدولة السعودية الأولى بولاة الدولة العثمانية في العراق والشام“، مجلة المؤرخ العربي، ع.5 (1997).