نموذج من المواقف الحميدية تجاه الأرمن

تركز جهد التنظيمات تجاه الأرمن بتشكيلات ضد تكتلاتهم في الدولة العثمانية، خاصةً في فان وأرضروم وأضنة، لقد كان موقف قصر يلدز أن يتم التركيز على زيادة عدد شخصيات خفية وأن يكونوا ممن يتقنون اللغة الأرمنية، وكانوا في الأغلب من الأكراد. فكيف تضرب أقلية بأخرى وتريد بعد ذلك الاستقرار أو مطالبتهم بعدم التمرد عليها؟!

مُنِح الأرمن حقوق حسبما كان معلنًا من الدولة منذ عهد السلطان محمد الثاني، فأثروا تأثيرًا كبيرًا في المجال الصناعي والتجاري والصرافة، وكانوا رعايا لدى الدولة.

في عهد السلطان عبد الحميد تأججت الأحوال السياسية والمطالبات بمنح الأرمن الحكم الذاتي، وتم دفعهم للمطالبة عن طريق الشغب والاضطرابات، وكان الوضع لا يحتمل الاستهانة أو معاملات متعجرفة، ووجدت رواية موثقة تفيد بأن السلطان عبد الحميد لم يعير التدخلات السياسية لحل ما يستجد من أزمات تجاه الرعايا والأقليات، بقدر ما كان الوضع يحث على الاستهانة بدماء الشعوب واستمرار السيطرة عليهم بالقوة.

كان السفراء الأجانب داخل الدولة والتي منحتهم حقوق امتيازات لا حصر لها، ومنها فرنسا ضمن سفارات حاولت التدخل؛ لما لها من دور سياسي داخل الدولة وخارجها في حل المسألة الأرمنية قبل أن تصبح قضية، لذلك نجد أن السفراء اعتادوا على عقد اجتماعات في إسطنبول، ومنها اجتماع كان مع ممثلي طاشناق وهنجاق الأرمنيتين، وقرروا الطلب من السلطان عبد الحميد إصدار تعهد لحماية حقوقهم في الدولة عن طريق السفير الفرنسي، وما إن خرج السفير باتجاه قصر يلدز يطلب لقاء السلطان حتى وصله خبر ذلك -ولا إشكال-: “… وقف السلطان في شرفة القصر، منشغلًا بمراقبة حصان أشقر يسرح في الحديقة، حين دخل عليه مدير مكتبه يخبره بأن السفير الفرنسي يريد مقابلته، فأجاب السلطان: فليتفضل.

وما إن أحس بدخول السفير حتى بادره بالحديث قائلًا: انظر حضرة السفير، سألفت نظركم إلى موضوع يخصكم، هل ترى هذا الحصان الذي يروضه السائس في الحديقة؟ إنه أحد زوجي حصانين أرسلهما المسيو فليكس هدية لي، وإنهما هجينان من نوع “برشرون”، ولونهما من لون حصان “الأؤنلار”، ويتم الحصول على هذا اللون من خلال التهجين بين السلالتين، إن لونهما جميل بقدر جمال جريهما، أحببتهما كثيرًا، إلا أن أحدهما مات منذ أيام، فهل يا ترى يمكن العثور على حصان من نفس النوع ونفس اللون في فرنسا؟ فقال السفير: يا جلالة السلطان، يوجد إسطبلات كبيرة لتربية الخيول، ويمكن الحصول على الحصان وعلى اللون المطلوب والنوع الفرنسي هو الهجين بين العربي والمحلي، وهو نوع يجمع بين أصالة الحصان الفرنسي وقوة الحصان المحلي.

فرد عليه السلطان: أشكركم، فقد أرحتموني من أمر طالما شغل بالي. فقال السفير: سأتولى الأمر حين تصدرون أوامركم.

وعندها قال السلطان: سأدفع الثمن مباشرة. ورن الجرس على مدير مكتبه وطلب مبلغ خمسمائة نابوليون. فأدهش ذلك المبلغ السفير، فالمبلغ أضعاف ثمن الحصان. ويقول راوي القصة تعليقًا وتعقيبًا: لقد أراد السلطان بهذه الطريقة أن يهب السفير قسمًا من هذا المبلغ بأسلوب غير مباشر. انتهى اللقاء بأن نظر السلطان إلى ساعته وقال: لقد حان وقت الصلاة، وإني أريد أن أودعكم، فأرجو المعذرة.

ولم يتمكن السفير من إبلاغ السلطان بقرار اجتماع السفراء، وغادر القصر وعاد إلى الاجتماع بائسًا ليقول: “لم أستطع أن أقول شيئًا، لقد اتخذني الرجل بائعًا للخيول!

انتهت الرواية، وهي منقولة من كتاب وكالة يلدز، وقد اعتبر كاتبها أنها فيها حكمة كبيرة.

قد تكون حكمة ولكنها تحولت إلى ارتكاب مذابح ومجازر ضد الأرمن لا زالت آثارها باقية.