" كتابة السردية التركية العثمانية وجهة نظر "

قبل أن نستطرد لمعرفة كتابة السردية التركية العثمانية، لابد من أن يدرك القارئ أن اللغة التركية العثمانية كانت هي لغة الكتابة وأنها ظلت تستخدم في المراسلات الرسمية للدولة العثمانية وفي الأعمال الأدبية والعلمية عبر قرون من حكم الدولة، فتلك اللغة كانت بسيطة قد استخدمها عامة الناس، وحقيقة الأمر أن اللغة العثمانية كانت أحد لغات المجموعة الغزّية لجنوب تركيا الغربي أي أنها كانت ضمن مجموعة السلاجقة الأتراك والتركمان وغيرهم. واستوطنت تلك اللغة القديمة الأناضول ثم شملت عموم تركيا الحالية، وقد دخلت على اللغة العثمانية الكلمات العربية والفارسية-وحتى الفرنسية والانجليزية فيما بعد- واختلطت بالقواعد النحوية لها ومع مرور الوقت تشكلت لغة مختلطة وأصبحت لغة الكتابة والتي غلب عليها التصنع والاختلاط. وظل التعامل بها منذ أواسط القرن الخامس عشر الميلادي حتى بدايات القرن العشرين، فاللغة التركية العثمانية مرت بمراحل عديدة منها؛ فيما بين القرن الثالث عشر الميلادي والقرن الخامس عشر الميلادي كانت اللغة العثمانية القديمة هي السائدة آنذاك، وأما اللغة العثمانية الكلاسيكية التي ظهرت كلغة كتابة فهي عبارة عن خليط من الكلمات العربية والفارسية مع أشكالها وقواعدها بالعناصر التركية  التي كانت تشكل هيكل الجملة  فقد تم استعمالها منذ القرن السادس عشر الميلادي حتى القرن التاسع عشر الميلادي ، ثم اللغة العثمانية الحديثة التي بُدء باستعمالها في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي حتى بداية القرن العشرين والتي جاءت على ما يبدو في فترة عهدي التنظيمات 1839م والدستور 1908م، أي خلال حركة التغريب والتجديد في الدولة.

وعند حديثنا عن السردية التركية العثمانية التي تعتبر أن ذروة إنجازاتها الثقافية والفكرية العثمانية كانت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وأن الدولة العثمانية دخلت بعد نهاية عهد سليمان القانوني عام 1566 م في فترة طويلة من التدهور أثّرت على مقدراتها السياسية والعسكرية وإنتاجها السياسي والثقافي والفكري، ولم يستطع بعدها الكتّاب الأتراك أن يطوروا فكرة جديدة تختلف عن الأفكار التي وضعها المفكرون المسلمون الأوائل عرباً وفرساً، حتى القرن الثامن عشر الميلادي، معتمدين على ما كتبه العلماء العرب مثل الماوردي في الأحكام السلطانية وابن خلدون في مقدمته ورسائل الفيلسوف الكندي وغيرها.

وفي الواقع أن سرديات الدولة العثمانية اتخذت من صيغة السرد البطولي والاسطوري للسلاطين في كثير من الأحيان كسردية فتح القسطنطينية وصناعة الطل الرمزي الملحمي والمتمثل بمحمد الفاتح وغيره من السلاطين العثمانيين والتي صيغت الكثير من الاساطير والمبالغات، ومنها على سبيل المثال كتاب ” جهاننما” ” تواريخ آل عثمان ” لمحمد نشري ت 1520م، والذي يعد أحد طلائع المؤرخين العثمانيين الأوائل وهو من المصادر التاريخية الرئيسة لدى المؤرخين العثمانيين الأوائل والمتأخرين، وقد أشار “كاتب جلبي أو حاجي خليفة” ت 1657م، في كتابه ” «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” بقوله :” فيه أقوال واهية..”، وهو ما يبين أن السردية العثمانية كان فيها نوع من الاختلال وعدم دقة المعلومة والوهم.