السنة النبوية تكشف
زيف ادعاءات الأطروحة العثمانية
كل تنظيم أو حركة تبحث لها عن هالة من القداسة، تضبط من خلالها إيقاع التنظيم وتنتشر بين المريدين انتشار النار في الهشيم. وذهب أصحاب التنظيم يبحثون عن هذه القدسية أو القداسة بين دفتي القرآن الكريم أو في سنة خير المرسلين، ثم يجتهدون في التأويل والتعليل، فيجعلون أنفسهم المقصودون بالنصوص ورموزهم المعنيون بالشخص، وبذلك يضمنون الولاء ويَطْمئِنُّون للوفاء، لأنهم اقتحموا دائرة العظماء ولو اقتضى الأمر التدليس وعدم الأمانة في النقل والإلقاء.
في هذا السياق، وبعدما حاول القوم أسلمة أرطغرل على استحياء وبكثير من العناء، لجأوا إلى أحد الأحاديث النبوية الشريفة، دون غيرها، وأسقطوها على قصة فتح القسطنطينية وربطوها بالسلطان محمد الثاني ، وذلك دون اعتبار لسياقات الحديث وربطه مع باقي النصوص التي تحدثت عن هذا الحدث المهم. وذلك في استمرار لتطويع النصوص الدينية لما يخدم الأجندات العثمانية.
الروايات العثمانية وتزييفها لأحاديث السنة النبوية.
ومن خلال ادعاء معرفتنا وإلمامنا بعقيدة الإخوان الباطنية، فإننا نزعم أن هذا التكتيك هو من وحي الاستراتيجية الإخوانية والتي نبهت العثمانيين الجدد إلى ضرورة الرجوع إلى النص الديني من أجل إضفاء هالة من القدسية على التنظيم السياسي. وهنا نجد أحد أبرز المراجع الإخوانية وهو أحمد حسن الباقوري، والذي يعتبر من الرعيل الأول للإخوان، بل وكان مرشد الجماعة بالنيابة بعد اغتيال مرشدها العام حسن البنا، يؤكد في كتابه “بقايا ذكريات” ما يسند هذا الطرح فيقول “وكان الغرب يخشى أشد خشية أن تقوم في دنيا الإسلام جمعية تحترف السياسة باسم الدين، فتكون أشد خطرا على الاستعمار والمستعمرين“.
بعض المتعثمنين والمستلبين عبثا تأويل الحديث النبوي الشريف حول فتح القسطنطينية وربطه بدخول محمد الفاتح، وبالتالي إضفاء هالة من القداسة حول شخصية تخفي حقيقة التجاوزات الخطيرة التي مارسها طيلة أيام حكمه.
ولعل منطلقات البحث تفرض علينا بسط الحديث النبوي الشريف ومن تم تحليل متنه وسياقاته لاستنباط المعنييين الحقيقيين بكلام الرسول الكريم صل الله عليه وسلم. يقول الحديث الشريف “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش“.
ورغم أن مسوقي الحديث حاولوا نسبة ما يخص محمد الفاتح للإمام مسلم، إلا أنه غير موجود في صحيحه، وضعفه الشيخ الألباني، كما أن هناك إجماع على أن هذا الحديث لا ينطبق على محمد الثاني (الفاتح) وجيشه لعدة اعتبارات لعل أبرزها:
أولا، أن فتح القسطنطينية ورد في ثلاثة أو أربعة أحاديث مختلفة، الأول ذكرناه والثاني رواه وصححه الألباني وجاء فيه “لا تقومُ الساعةُ حتى ينزلَ الرومُ بالأعماقِ أو بدابقٍ، فيخرجَ إليهم جيشٌ من المدينةِ من خيارِ أهلِ الأرضِ يومئذٍ، فإذا تصافوا، قالتِ الرومُ: خلُّوا بيننا وبين الذين سَبَوا منا نُقاتلُهم، فيقولُ المسلمون: لا واللهِ لا نُخلِّي بينكم وبين إخوانِنا، فيُقاتلونَهم، فيُهزمُ ثلثٌ لا يتوبُ اللهُ عليهم أبدًا، ويُقتلُ ثلثٌ هم أفضلُ الشهداءِ عندَ اللهِ، ويفتحُ الثلثُ، لا يفتنون أبدًا، فيفتحون القسْطَنْطينيةَ“.. إلخ.
أما الحديث الثالث فنصه “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– قَالَ: “سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟..” إلى آخر الحديث. وهناك حديث آخر مقدمة نصه “عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ وَهُوَ بِالْفُسْطَاطِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَغْزَى النَّاسَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ..” إلى آخر الحديث.
ثانيا، من خلال متون الحديث يتبين استحالة إسقاطها على “فتح” القسطنطينية من طرف محمد الفاتح. وأجمع “غالبية علماء المسلمين أن فتح القسطنطينية الوارد في الحديث لا صلة له بعهد محمد الفاتح لأسباب دينية وتاريخية بحتة“. كما أن ربط متون الأحاديث التي ارتبطت بفتح القسطنطينية يقطع بأن هذا الفتح هو من علامات آخر الزمان وهو ما يؤكده الحديث الذي رواه أنس بن مالك “فتح القسطنطينية مع قيام الساعة“. ويذهب معظم الباحثون إلى التأكيد بأن فتح القسطنطينية ذُكر “عقب الملحمة، وقُبيل خروج الدجال، مع أنها فُتحت على يد محمد الفاتح العثماني، والجواب أنه فتح آخر غير الفتح الأول“.
وحتى بالرجوع إلى الحديث الذي رواه الإمام مسلم لا نجده يتناول ثناء على الأمير وجيشه، وهو ما يؤكد بأنهما ليسا المعنيان بالفتح الذي وعد به النبي الأمين. ولذلك لم نجد العثمانيين الأوائل يقفون كثيرا عند هذا الحديث، إلى غاية ظهور جماعة الإخوان التي برعت في البحث بين تراب المخازن ونصوص السنة من أجل الاختباء وراء بعضها وتغرير البسطاء باتباع نهجها الضال وسبيلها المُضل.
- الشيخ أحمد حسن الباقوري “بقايا ذكريات“، مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1408ه/1988م، القاهرة، ص 43/44
- صحيح مسلم، رقم الحديث 2897.
- محمد عبد الرحمن “الافتراء على الدين.. هل بشر النبى محمد حقا بالسلطان محمد الفاتح؟ “. مقالة نشرت على موقع اليوم السابع على الرابط: الافتراء على الدين.. هل بشر النبى محمد حقا بالسلطان محمد الفاتح؟ – اليوم السابع (youm7.com)
- د. محمد أحمد إسماعيل المقدم “فقه أشراط الساعة“، الدار العالمية، الطبعة الأولى 1425ه– 2004م، ص 198