صناعة تاريخ مزيّف

كتب إبراهيم كالين في كتابه ( مقدمة إلى تاريخنا والآخر ” وما وراء العلاقات بين الإسلام والغرب “). ارسل السلطان الفاتح الى ملك البندقية دعوة لحضور حفل زفاف ابنه / وطلب منه إرسال رسام ونحات وسباك برونز الى إسطنبول . وهناك على حد قول كالين اجتمع مجلس البندقية فورا وأرسلوا ” بليني ” ، أحد عظماء رسامي العصر؟؟!! في عام 1479م . بقي 18 شهرا ، وقام برسومات عديدة لحياة القصر والحياة اليومية في إسطنبول ،وبذلك تم اختباره قبل ان يقوم برسم لوحة بروترية للسلطان . تناقض غير منطقي في السرد ، وهو بما ان بليني أشهر رسامي عصره فلماذا تلك الاحترازات ؟ في وجهة نظري لأن صورة العثماني ” التركي ” عند الغرب مخيفة ، وهذا ما كتبه كالين حين ذكر : ( … ومع أن شخصية السلطان محمد الفاتح قد تجذرت في خريطة العقل الأوروبي ، بسبب فتحه لإسطنبول بأنه التركي المخيف ، …. وأن عظمة العثمانينن بالنسبة للأوروبيين هي شخصية السلطان سليمان القانوني . فهو يجمل اسم النبي سليمان المذكور في الانجيل ، وملقب أيضاً بالقانوني أي واضع القوانين ، وقد وضعه في مرتبة عالية تنافس الامبراطور الروماني جيستينيان .ولكن اسمه الأشهر في الغرب حتى اليوم هو ” سليمان العظيم ” ) .

رسم بليني لوحة صور فيها الفاتح بعمامة بيضاء من زاوية ثلاثة أرباع . رسم بشكل يعكس عظمة وأناقة السلطان العثماني . وكانت نظرة السكون على وجه الفاتح أخاذة . فعلى عكس صورة التركي المحارب المخيف ، الممسك بالسيف ، والسفاك للدماء ، ظهر السلطان هنا تزينه الثقة بالنفس ، ويغمره السكون والسلام الداخلي . ويعطي الاطار والحزام الرخامي حول الفاتح انطباعا وكأن السلطان يطل من نافذة . وتمثل التيجان الستة المذهبة المعلقة في الهواء على جانبي الاطار والتاج الموجود على السجاد ، الريشات السبع الموجودة في راية الإمبراطورية . ونقش على اللوحة باللاتينية ما يمثل القوة السياسية والعسكرية العظيمة التي يمتلكها الفاتح : victor orbis أي ” فاتح العالم ” .

يلاحظ الألفاظ التي يستخدمها كالين من تقديس للشخصية وللدولة التي يعشقون وصفها بأنها كانت امبراطورية ، واعتزازه بانعكاس وقلب الحقيقة لشخصية الفاتح ، حتى تبقى للأجيال بأنها لوحة بيد أشهر رسام غربي عظيم ، تؤكد اللوحة انفتاح السلطان على العالم ، ويؤكد كالين أن الهدف الأهم هو ان الفاتح كان يؤمن بأنه وريث ” الاسكندر الأكبر ” وفي كل مناسبة كان يؤكد ذلك.

المضحك أن بايزيد الثاني ، ابن الفاتح الذي تولى الحكم من بعده ، باع لوحة بليني ، وغيرها من لوحات القصر متأثراً ببعض آراء العلماء- ولم يوضح ماهي تلك الآراء – الى تجار البندقية. وهكذا عاد عمل الرسام الكبير الى بلده . واللوحة محفوظة في المعرض الوطني في إنجلترا.

وهناك لوحة أخرى للتأكيد على الانفتاح العالمي وطموح الإمبراطورية التي ستكتسح لوحة الرسام سنان أفندي وفيها السلطان يشم وردة ، في صورة رجل راق ورقيق ولطيف .وتعكس جلسة السلطان وتفاصيل القفطان والعمامة عظمة الرجل وقدرته . وبهذا أذهل النقاش سنان العالم بإتقانه فن المنمنمات العثماني ومنهج الرسم الأوروبي ، ونجح في الجمع بين الجلال والجمال في لوحة واحدة . وهنا تأكيد بأيدهم يفيد إيصال مفهوم القدسية للتاريخ بأن السلطان تصبغه صبغة غير اعتيادية منها الفتح المزعوم  ،وباستخدام  كلمات مثل ” الجلالة ” وغيرها نستدل على ذلك.

 ولا انسى تأكيده على أن الزهرة التي يشمها ترتبط في التراث الإسلامي برمزية حضرة النبي محمد عليه أفضل صلاة واتم تسليم ، أضافت للوحة بعداً معنوياً منفرداً .

يذكر كالين أن الرعب والخوف الذي دب في أوروبا بعد الفتح جعلهم يلجئون الى الدعاء الجماعي في الكنائس والمعابد ضد الخطر العثماني القادم المقترب . وكانت الأجراس المعروفة عند الألمان باسم ” أجراس الأتراك تقرع ثلاث مرات في اليوم ، وتدعو المسيحيين للدعاء ربهم ، وتنصحهم بتزكية أنفسهم ضد الإسلام .

تلك منقولات طفيفة من كتاب كالين ، وتعزيزه لقوة الدولة المرعبة وسلاطينها وافتخاره ، ولكن الحقيقة ، ماهو الا تأكيد منه على أن الرعب دب في أوروبا ضد الإسلام . وتلك جهودهم لتحقيق امبراطورية وعظمة وفخامة بقدسية لدولتهم . فأين أخلاقيات الجيوش الفاتحة لنشر الدين الإسلامي وليس لإرهاب البشر والحجر؟.

لوحة بليني
لوحة سنان أفندي