" القتل بغطاء شرعي فاتح قانون نامه"

عند سبر أرجاء التاريخ العثماني والتعمق في ساحاته الخلفية الفسيحة عندها ستبدأ بالتعرف على بعض المواطن المسكوت عنها، وستكتشف خلالها الكثير من القضايا التي كان يمر عليها القارئ سراعا وعلى عجل دون إعارتها أي اهتمام باعتبارها من بديهيات التاريخ العثماني ومن مسلماته الواقعية، ولكن عندما يتم الإمعان في بعض القوانين والسلوكيات الصادرة عن رموز السلطة؟! ستصاب بمزيج من الدهشة والاستغراب لكمية الفظائع المأساوية التي وقعت من تلك الرموز التي أبرزت للناس على أنها من أفضل حكام الدنيا، بل هناك من جعلهم في مصاف الخلفاء الراشدين، فتعجب على سبيل المثال ممن استمرأ قتل أخيه أو أبنه أو عمه من أجل الوصول لكرسي العرش ومبررا ذلك بتبريرات عديدة واتخذ في بعض الأحيان الفتاوى الشرعية لتطبيقها بكل وحشية.

ولعل عدم حرص العثمانيون على مسألة انتقال السلطة من سلطان لآخر في بداية قيام الدولة على شرطين فقط هما؛ أن يكون السلطان ذكرًا في سن راشدة، وإلا يكون لديه مشاكل عقلية، وبذا أصبحت كرسي العرش متاح للجميع من أبناء بني عثمان. ومن هنا بدأت سلسلة القتل في الإخوة من ذرية عثمان واوجدت تبريرات لسفك دم الأخوة متناسين بذلك قول الله تعالى في كتابه الحكيم “فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، والأدهى والأمر أن يشرعن القتل للأخوة تحت غطاء شرعي كما حدث في عهد محمد الثاني، بهدف شرعنة قتل الإخوة لأجل الحفاظ على السُلطة، والذي اصدر بدوره  القانون (نامه)  الشهير و تم إدراج البند الخاص بقتل الإخوة في عهده والذي نص على الآتي: “وليعلم من تيسر له الحكم والسلطنة من أولادي، أن قتل الأخ  جائز لأجل المصلحة العامة وحفظ النظام ، وهذا مما وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به” ؟!  

وهكذا، تحوّل قتل الإخوة من عُرف في نظام الأمراء الاجتماعي إلى قانون في نظام السلاطين السياسي، وبذا استطاع محمد الثاني إيجاد مسوغات قانونية وفقهية لقانونه الدموي الوحشي، وهذا راجعٌ إلى كون وجود الإخوة من العوامل التي تثير الفتنة بين المسلمين؟!، وقد أقرَّ أهل الفتوى هذا العرفان وأعلنوا أنّه لا يتعارض مع أحكام الشّريعة الإسلامية؛ فأصبحت سُنَّة عند سلاطين آل عثمان لاعتقادهم أنَّ فيها سلام الدنيا والعالم.

وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين قد نفوا نسبة هذا القانون للسلطان محمد الثاني، إلا أن المؤرخ التركي أحمد آق كوندز، قد رجح ثبوت هذه المادة في قانون محمد الثاني، إلا أنه حاول أن يبرر بأنه موجه لمن يقوم من الأخوة بالعصيان ويحاول مغالبة السلطان بالسلاح للاستيلاء على الحكم أو التعاون مع أعداء الدولة، ولكن الحوادث التي ذكرها التاريخ العثماني تثبت عكس ذلك تماما فشرعية القتل والوحشية استمرت لدى عدد من السلاطين من بعده وعلى من قننها  أثمها إلى يوم الدين.