محمد الفاتح طوق نجاة العثمانيين الجدد!!

لم يستطع العثمانيون الجدد تجاوز شخصية السلطان محمد الفاتح، لأنه مثل لهم المفتاح الذي يسيطرون من خلاله على عقول ووجدان العرب والعالم الإسلامي، واختاروه ليكون ايقونة نفوذهم وطريقهم لنشر العثمنة، لقد وجدوا فيه ضالتهم، ولذلك ضخوا في شخصيته كل ما يستطيعون من روايات ومديح وتعظيم وتبجيل، لدرجة انهم اقتربوا به من مرتبة الصحابة.

ولأن التاريخ “العثماني العربي” فقير بالحسنات، ولا يوجد أي عمل عثماني خدم الانسان العربي، ولا أي مبادرة بقيت في قلوب وعقول العرب، بل كان التاريخ المشترك مليء بقصص الاحتلال المؤلمة والجرائم الفادحة والخاطيا العثمانية التي لا تغتفر.

فكان لابد – عند المزورين- من ردم تلك الهوة السحيقة بين الامتين “العربية والتركية” من خلال خلق شخصيات اسطورية وربطها بالإسلام حتى ولو كان ذلك مجرد تزوير للتاريخ واختلاق لقصص واهية، ولا ادل على ذلك من قصة ارطغرل وبناء دراما جذابة ونشرها بكثافة، في محاولة لأسلمة تاريخه ودمجه في التاريخ الإسلامي رغم ان كل الشواهد تقر بوثنيته.

إلا أن تاريخ السلطان محمد خان المشهور بالفاتح سيبقى هو الأكثر شعبية عند الاسلامويين والتنظيمات التي تحتضنهم وتدفعهم للتزوير وكتابة تاريخ “جديد” له، لان اسمه ارتبط بالقسطنطينية، بالرغم من ان علماء الحديث البارعين اما شككوا في الرواية وان الفتح المقصود في فترة أخرى، او اتهموا العثمانيين بزيادة نص “البركة” في الحديث، لكن ذلك لم يمنع المزورين من نشر روايتهم الخاصة عن محمد خان التي ربما تجاوزت في مدحها حتى شخصيات الصحابة الاجلاء.

وبالرغم من ان التاريخ الحقيقي لا يبلى، فانهم يمتنعون عن رواية قصص ما بعد القسطنطينية، او اليوم التالي للحرب كما يقال، لأنه المعيار الحقيقي للشهادة على اخلاق الجيش وقياداته السياسية والعسكرية، الا ان ذلك لم يحصل في القسطنطينية التي شهدت اغتصاب جنود السلطان للنساء، وقتلهم آلاف الأطفال، او والاتجار بالأحياء من النساء والأطفال، واستباحة ملايين المسيحين وبيع الآخرين في أسواق الرقيق.

سلوك نهى عنه الإسلام الذي لطالما كانت وصياه تمنع استباحة او قتل او ترويع المدنيين غير المسلمين، بل حفظ كرامتهم، وشدد على امان اديرتهم وبيوتهم، ولعل العالم الإسلامي اليوم يدفع ثمن تلك الجرائم العثمانية، التي تحسب للأسف على انها إسلامية بينما في الوقع هي سلوك عثماني بامتياز مارسه العثمانيون ضد الأوربيين والارمن والعرب.

لم يكن سلوك الجنود العثمانيين في القسطنطينية بعيدا عن رأي محمد الفتاح نفسه، اليس هو من أصدر قانون ” نماه” العثماني الذي يجيز قتل الأبرياء من الاخوة او الأبناء او أبناء العمومة وكل من يشكل تهديدا مستقبليا للعرش السلطاني حتى ولو كانوا أطفالا رضع.

اذن هذه الثقافة وهذا التفكير لم يكن طارئا بسبب ظروف المعركة ولا تجاوزا من جنود اخذتهم الحماسة، انها سلوك مستقر داخل القصر السلطاني، ولا يوجد شخصية حولتها الى قانون وتشريع الا محمد الفاتح، الذي لم يكن يرى ان الأمور يمكن لها ان تستقر الا من خلال التغول في الدماء المعصومة.