السلطان محمد الثالث..

الطريق الى العرش فوق الجماجم والدماء!!

لم يكن السلطان محمد الثالث مفصولا عن الواقع فقط، بل كان أكثر السلاطين شراسة وجرأة على الدماء المعصومة، وخاصة في دماء اخوته الذين ذهبوا ضحية اوهام وشكوك مستقبلية لا يمكن الجزم بها، فكيف يستقيم مبرر الحكم بالقتل على “جنين” لا يزال في بطن امه، وكيف نصدق رواية ان هذا الجنين سيولد، ثم يكبر، ثم ينازع السلطان في حكمه، انها جرأة وتدخل حتى في مشيئة الله، فضلا عن ازهاق الارواح بلا مبرر.

لكنه كان أسلوب السلاطين في الحكم، حتى يثبتوا حكمهم في ظل نزاعات لا تنتهي على العرش، بسبب المكائد والوشايات، وتدخل الحرملك في شئون الحكم، حتى أصبح القتل حلا والتخلص من الاخوة والابناء أسلوبا إداريا مقننا.

لقد تغول السلطان محمد الثالث كما لم يتغول أحد من قبله ولا بعده في الدماء دون وجه حق ولا مسوغ، معتمدا على الاحتمالات والشكوك والاوهام التي غذاها في عقله والدته السلطانة صفية وبعض المؤثرين داخل القصر السلطاني، ومستندا على قانون مهزوز يسمه ” نامه” أصدره السلطان محمد الفاتح يقول فيه: “يُمكِن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء”، القانون الذي وضعه محمد الفاتح لتسيير نظام الدولة من بعده، لكنه فتح باب الشر واهدار الدماء دون وجه حق، ومن هنا بدأت مذابح الإخوة الذكور على كرسي العرش تتوالى، ويصعد السلطان الى عرشه فوق الجماجم خائضا في الدماء.

ولو عادنا الى ليلة تولي السلطان محمد الثالث، سنجدها واحدة من اكثر ليالي تسلم السلطة دموية وترويعا على مدى تاريخ البشرية، فقد قام السلطان محمد الثالث وامه السلطانة صفية باغتيال منظم لكل اخوة السلطان الذكور وعددهم تسعة عشر اخا، بعد خنقهم بوتر القوس الحاد، ثم جمعهم في مقبرة واحدة مع والدهم السلطان مراد، ليشيع الى المقابر السلطانية عشرين جنازة دفعة واحدة.

ومع ان الليلة كانت دموية بامتياز، الا ان السلطان محمد الثالث لم يتوقف عند ذلك، بل ذهب الى زوجات ابيه وإمائه في حرمهن، وامر ببقر بطون الحوامل منهم اللاتي بلغن ستة، وإخراج الاجنة منها، ورمي الام وجنينها في البسفور.

انه جنون الشك والريبة التي دفعت السلاطين الى الخشية من المستقبل، والتخلص بالموت من أي تهديد، مستندين على فكرة “الفتنة اشد من القتل”، خاصة وان نظام ولاية العد في السلطنة لم يكن محسوما ولا مستقرا، إضافة الى حجم السلطنة وتباعدها، وكثرة مراكز القوى فيها، من الانكشاريين الى رؤساء الوزارات الذين يسمون بـ ” صدر الامة” الى كبار المفتين، وأخيرا الحرملك نفسه الذي يعيش فيه السلطان حيث تحاك ابرز المؤامرات، والوشايات التي انتجت بلا شك الضغينة والحسد والموت النهائي لكل من يقف امام قطار الوشايات او التهديد المحتمل للعرش.

وعند قراءة سلوك السلطان محمد الثالث، سنجده بالفعل يتحرك بناء على خوفه الشيدي م انتزاع الحكم منه، حتى انه قتل ابنه ولي العهد الذي لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره لينضم الى الخمسة وعشرين قبرا التي حوت اعمامه، بعدما شك السلطان ان ابنه ربما يهدد عرشه ذات يوم.