الإنكشاريون من صبيان الى وحوش ابتلعت السلطنة!!

لم تكن بدايات الصبيان المسيحيين الذين اقتلعوا من أحضان امهاتهم في ارياف بلغاريا والبانيا، وغيرها من الشعوب التي احتلها العثمانيون، تشي بما سيتحول اليه أولئك الصبية بعد أجيال من تدجينهم داخل المعسكرات العثمانية وتحويلهم الى فرقة عسكرية صلبة تخدم السلطان وتعمل لصالحه.

كان أولئك الصبية والتي تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامة عشر يساقون الى معسكرات للتدريب، فمن يكون لائقا عسكريا ويمتلك القوة الجسمانية يتم تحويله الى حراسة السلطان وقصور الامراء، اما البقية فيتم دمجهم في القصور السلطانية للعمل على خدمة السلطان وشئونه الخاصة.

تلك النواة دفعت لتأسيس فرق الانكشارية التي عرفت في التاريخ كواحدة من الفرق العسكرية الأكثر فتكا وتجبرا وتسلطا، لقد تحول بالفعل أولئك الفتية الصغار الى غول ابتلع السلطنة العثمانية وقراراتها وهز هيبتها وشكك فيها.

فبعد ان تحول الانكشاريون الى جماعة صلبة داخل التراتبية الحاكمة في السلطنة العثمانية، بدأوا في فرض سلطتهم وقرارتهم على الدولة والسلطان، بل وصل نفوذهم لحد التحكم فيمن يحكم من يصل الى العرش، ومن يعزل ومن يتنازل، لقد أصبحوا قوة ضاربة وعميقة استولت على القرار السياسي والعسكري لقرون عديدة داخل السلطنة.

فالسلطة السياسية منحتهم المال والعطايا وأصبح ذلك امر يلازم كل سلطان ومن لا يلتزم تتم ملاحقته منهم واثارة الرأي العام عليه والتمرد وربما اسقاطه، اما الحروب  فقد منحتهم المكانة والسلطة والنفوذ والاسترزاق الواسع، بدء من الاستيلاء على الأموال والأراضي الواسعة، وكل من كان يتباطأ في تنفيذ ما يريده الانكشاريون كان يتم القضاء عليه، الانخراط في مؤمرة للانقلاب ضده.

تلك السلطة الواسعة وذلك النفوذ غير العادي، دفع بكثير من القوى داخل القصر وحتى خارجه للسعي الى التحالف معهم وكسب رضاهم، لانهم قادرون بشكل او باخر على التأثير في القرار السياسي والعسكري والاقتصادي، بل وتنفيذ الانقلابات والخلع والتعيين، فكانت مراكز القوى تبحث عن رضاهم، فمن يكن الانكشاريون حلفاءهم سيسيطرون بالتأكيد على السلطنة والحكم والأموال.

لقد تحول الامر الى ان يكون السلطان العوبة في أيديهم، ومن لا ينفذ من السلاطين اوامرهم يحارب، بل وقد يخلع او يصفى.

 ولم يكتف الانكشاريون بما يهبه لهم السلاطين من أموال واقطاعات، بل انتقل فسادهم كما يؤكد ذلك كثير من المؤرخين الى اقتصاد الدولة نفسها فشاركوا التجار، وفرضوا الاتاوات على السكان المحليين لدرجة تجريف أموال قطاعات واسعة وتحويلهم الى فقراء.

لكن أخطر ما مارسوه كان التسلط على رقاب الناس وحياتهم ونهبهم بالقوة، الأمر الذي دفع السكان لكراهية الحكم والتمرد عليه كما صل في العديد من الأقاليم العثمانية.

ختاما كيف يمكن شرح ان فرقة عسكرية صغيرة من الصبيان المختطفين يعيشون في معسكرات بائسة تحولت مع مرور الزمن الى اهم من قوة داخل النظام العثماني، من يقترب منها ينجح ويتم تمكينه، ومن يغضبهم يخلع ويطرد ويحرم، لقد تحول المصل الذي أراده العثمانيون لمساندة دولتهم الى سم بطيء ساهم في قتلها وانهاء نفوذها ووجودها على مدى عمرها.