التفاوت الزمني بين صورتين نمطيتين للتاريخ العثماني
غُيِّبت
الدراما العربية بحضور "التركية"
دخلت الدراما التركية صراعًا مُحتدمًا مع الدراما العربية خلال فترة زمنية محدودة مؤخرًا؛ إذ نشطت التركية في فترة ما بعد عام 2000 بغزوها للتلفزيون العربي بأعمالها المُدبلجة، التي عملت على تكريس صورة نمطية تتوافق مع التوجه السياسي، بينما بدأت الدراما العربية المصرية منذ فترة مبكرة في إظهار الصورة النمطية الحقيقية للعثمانيين الأتراك من خلال مجموعة أعمال درامية، لكن الأعمال العربية سبقت بعقود تقريبًا، ما جعلها بعيدةً عن ذهنية المشاهد العربي في ظل الحضور الدرامي التركي.
يقول الناقد الفني المصري رامي المتولي عن ذلك: “مع بداية عصر الفضائيات والانفتاح على الثقافات المختلفة تغيرت تفضيلات مشاهدي ومتابعي الدراما التليفزيونية، فمن الدراما المكسيكية للإسبانية ثم التركية والهندية، لكن التأثير الأكبر كان للتركية المدبلجة للعربية، التي لاقت انتشارًا ورواجًا كبيرين في البداية كدراما اجتماعية رومانسية ثم لمسلسلات تاريخية وسياسية أبرزها “وادى الذئاب” بأجزائه، والذي يمجد الأجهزة الأمنية والمخابراتية التركية، كذلك رؤوس الجريمة المنظمة الذين يشكلون قوى رئيسة في المعادلة التركية”، ويؤكد أن الدراما التركية تحولت إلى بوق دعائي للرئيس التركي الحالي أردوغان، وأطماعه في موارد المنطقة العربية، ومحاكاة أحلامه بعودة الخلافة الإسلامية المزعومة للأتراك.
الناقد المصري رامي المتولي: "ممالك النار" فضح المذابح العثمانية ضد العرب.
ويذهب المتولي إلى أن الدراما والمسلسلات التركية باتت ذراعًا أساسيًا للنظام التركي، الذي يسعى إلى تمجيد المؤسسين الأوائل للدولة العثمانية سواء أرطغرل أو سليم الأول، ومنحهم صفات أسطورية، كذلك الحال مع آخر سلاطين الدولة العثمانية عبد الحميد الثاني، ويذكر أن “كل هذه المسلسلات صَنعت على الشاشة ملائكة وبشر يتصفون بصفات إنسانية ويقيمون العدل ولا يعتدون بل يدافعون، وهى أمور لا تمت للواقع بصلة، في النهاية هم قوات احتلال ولقب خليفة المسلمين وأمير المؤمنين هو بدوره لقب مغتصب حازه السفاح سليم الأول بعد احتلاله مصر وتنازل الخليفة العباسي الذي كان يعيش في مصر بمنصب صوري عن اللقب”.
في جانب آخر كانت الدراما العربية تتعامل مع ما هو عثماني وتركي بالكثير من الازدراء، فالشخصيات التركية والعثمانية في المسلسلات العربية، هي في الغالب شخصيات سلبية ذات سلوك قاسٍ وعنيف وظالم، لذا يشير الناقد رامي المتولي إلى أنه “عادة ما يتم تصويره كشخص غليظ يسير بالكرباج، لغته ركيكة ونطقه للعربية مضحك، فصورة التركي في الدراما العربية صورة نمطية تعبر عن الشر والظلم، لذا أصبح اللقب التركي “باشا” سيِّئ السمعة ودلالة على الفساد”.
تقادم الأعمال الدرامية فتح المجال لـ "التركية" إلى تكريس صورتها في الذهنية العربية.
ويتتبع المتولي ما تم طرحه من صورة نمطية للأتراك في الدراما المصرية “فترة التسعينيات شهدت الدراما التليفزيونية تصويرًا واضحًا للدولة العثمانية كمحتلة، والسبب في تجريف القاهرة كمثال قتلاً وتعذيبًا وسرقة لمواردها وطاقاتها البشرية، ومسلسل “أرابيسك” عام (1994م) ظهر في حلقته الأولى فنان الأرابيسك حسن النعمانى الجد الذي صنع للسلطان العثمانى كرسي عرشه تحفةً فنيةً، و”حسن” واحد من الحرفيين المهرة الذين ساقتهم قوات بنى عثمان إلى العاصمة الآستانة ليعملوا حرفيين هناك تاركين القاهرة بدون عُمَّالها المهرة وشيوخ حرفييها، وهي إدانة واضحة من السيناريست أسامة أنور عكاشة للمحتل العثمانى، وعام (1995م) عُرض مسلسل “الزيني بركات” الذى تناول الفترة التي سبقت الاحتلال العثمانى وأظهر السيناريست “محمد السيد عيد” عن رواية جمال الغيطانى التي تحمل نفس العنوان، الخيانة التي أوصلت العثمانيين لاحتلال مصر وظهر السلطان طومان باي (رياض الخولى) باعتباره بطلاً قوميًّا قاد الجيش لمقاومة الاحتلال لكن خيانة كثيرين منهم “الزيني بركات” (أحمد بدير) قد مهدت لدخول العثمانيين على حساب المقاومة”.
وختم رامي “لكن درة التاج في فضح العثمانيين ومذابحهم وأياديهم السوداء على المنطقة ومصر كانت من خلال مسلسل “ممالك النار” الذي عُرض عام (2019م)، والذى ركز على دموية واحتلال سليم الأول وأكاذيبه ومحاولات صبغ احتلاله لمصر والشام بأنه فتحٌ إسلاميٌ، من خلال عرضٍ متوازٍ لصعود سليم وطومان باي للحكم وطريق كلٍ منهما في الوصول إلى العرش وطبائع كل منهما الشخصية، استنادًا على الكثير من الكتب التاريخية، لذلك يبدو بوضوح ما فعلته الدولة العثمانية من خلال المسلسل، وما أقدمت عليه لتدمير مصر ودفعها لعصور من الجهل والرجعية، وأعملت السيف في الجميع وفرضت ضرائب وجزية ولم تهتم بأي تطوير استنادًا على ضعف ظاهره قوة حكامها بالمؤامرات وانشغالهم، على حساب اهتمامهم بالبلاد التي احتلوها”.