به هاجر اليهود إلى فلسطين
“ثعبان” عبدالحميد…
سكة حديد (برلين – بغداد)
كان جز ًءا من مشروع إحكام السيطرة على البلدان العربية.
أثناء إنشاء خط السكة الحديدية العثمانية (1900-1908م)، كان عبدالحميد الثاني سيد الموقف في إسطنبول وسلطانًا على البلاد العربية المحتلة، بل إنه اشتهر بداية الأمر بخط السكة “الحميدية” بجانب السكة الحجازية. ومن هنا لا بد من وضع تعريف دقيق لمشروع سكة الحديد، لأنها ليست خطًّا اجتماعيًّا من أجل نقل الحجاج أربعة أيام في السنة كما يدعي الموالون للثقافة العثمانية، في محاولة لترسيخ الكثير من القصص العثمانية الرومانسية، التي تعمّد أتباع الإسلام السياسي في العالم العربي إغراق الجماهير العربية فيها.
أما انبهار العالم العربي حينها خاصة في بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية وصولاً إلى المدينة المنورة، كونها -أي السكة وعربات القطار- كانت أول مشروع حقيقي و”حضاري” تبنيه السلطنة طوال خمسمائة عام هي عمر الإهمال العثماني للأقاليم العربية عاشوا خلالها في فقر اقتصادي ومعرفي ليس له نظير، على الرغم من أهدافه العنصرية التي ظهرت لاحقًا.
نعم كان ذلك القطار مفاجئًا ومدهشًا لكل القبائل والبلدات العربية التي مر عليها، وهي نفس الدهشة التي أصابت الكثير من العرب الذين خرجوا من ديارهم المحتلة من العثمانيين وزاروا إسطنبول أو غيرها من المدن العثمانية، وكانوا يرون الفروقات الحضارية والمعمارية والخدمات الهائلة جدًّا مع بلدانهم الأصلية، وكأنهما عالمان منفصلان عالم عثماني متقدم وعالم عربي متخلف مهجور حضاريًّا بقصد من الحكام العثمانيين.
وقد أسست السكة الحديد لغرض ربط أقاليم الدولة العثمانية وإحكام السيطرة عليها خاصة في الحرمين الشريفين الذي لاحظ العثمانيون أن هناك تململاً شديدًا فيهما، وأنشئ عنه خط فرعي آخر يمتد إلى حيفا على ساحل البحر المتوسط، الذي ساهم في دعم مشروع عبدالحميد مع الصهيوني ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في تهويد فلسطين حين استخدم القطار في جلب عشرات الآلاف من يهود تركيا إلى فلسطين.
كانت سكك حديد الحجاز جزءًا من شبكة سياسية واجتماعية تريد إحكام السيطرة التركية على العرب، وفرض التتريك عليهم، وهو ما اتضح في جريمة “سفر برلك” فيما بعد، الذي تم بناءً عليه أمر فخري باشا -والي المدينة المنورة- بترحيل سكان المدينة المنورة في العام 1914م قسريًّا وتهجيرهم إلى تركيا وألبانيا وبلغاريا، وجُلب الجنود الأتراك والألبان والبلغار بواسطة سكة الحديد العثمانية إلى المدينة المنورة ليكونوا بديلاً عن سكانها.
ساهمت محطة "حيفا" في جلب يهود تركيا إلى فلسطين.
كان الغرض الذي روج له عبدالحميد كثيرًا هو ربط إسطنبول بالحرمين الشريفين، لنقل الحجاج العثمانيين، حيث كان عبدالحميد حينها يخوض صراعًا مريرًا داخل القصر وداخل الطبقة الحاكمة التي انقلبت عليه أكثر من مرة، وحاول بخط سكة الحديد دغدغة المشاعر القومية التركية لكسب رضا الشارع الداخلي، وقد اختير قصدًا الأول من سبتمبر وهو ذكرى جلوس السلطان على العرش تاريخًا للبدء في أعمال بناء الخط بهدف ترسيخ مكانة السلطان. وقد ذكر عبدالحميد الثاني في مذكراته عن خط سكة الحجاز ما يلي: “أخيرًا تحقق الخط الحجازي، ذلك الحلم الذي طالما راود مخيلتي. فذلك الخط الحديدي لم يكن فقط مصدرًا اقتصاديًّا للدولة العثمانية، بل كان في الوقت ذاته يمثل مصدرًا بالغ الأهمية من الناحية العسكرية من شأنه تعزيز قدرتنا العسكرية على امتداده”.
ها هو السلطان بنفسه يسقط كل الدعايات الرخيصة التي يروجها العثمانيون الجدد عن هدف سكة الحديد الاقتصادي والعسكري، الذي وُظِّف أيضًا لهدف آخر لا يقل بشاعة وهو التتريك والترحيل القسري للسكان الأصليين في البلدان العربية خاصة في المدينة المنورة والشام والعراق، ومن المهم أيضًا لفت الانتباه إلى أنه لم يكن على سكة حديد الحجاز بعد انتهائها أي ديون بسبب الإقبال الكبير من عامة المسلمين وأغنيائهم للتبرع دون أن تكلف الخزينة العثمانية ليرة عثمانية واحدة.
وقد انكشف لكثير من الدارسين كيف لعبوا بالمشاعر الدينية في خط سكة الحديد الحجازية، من أجل أهداف أبعد من ذلك كما تورده الباحثة في جامعة الملك عبد العزيز، عزة بنت عوض بن حليس الجهني التي قالت: “لقد تبين أهمية العامل الديني في إنجاز مشروع سكة حديد الحجاز بالرغم من أنه لا يمثل الباعث الحقيقي له، كما أن العقبات السياسية أهم العقبات التي صاحبت تنفيذ المشروع، إضافة إلى الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لوصول سكة حديد الحجاز إلى المدينة المنورة”.
1. دور الصحافة في التوثيق لنشأة الخط الحديدي الحجازي – هند غسان أبو الشعر.
2. دور سكة حديد الحجاز – جوني منصور.
3. سكـة حـديد الحـجـاز وآثارها السـياسـية والاقتصادية والاجتماعية على الـمديـنة المـنورة – عزة بنت عوض بن حليس الجهني.