امتيازات الحق المكتسَب

المستوى القانوني لتعريف مصطلح الامتياز هو معاهدة أو اتفاقية تتعهد بموجبها دولة معينة بضمان بعض الحقوق الاستثنائية على الأراضي التابعة لها، والمعاهدة التي كانت تربط بين الإمبراطورية العثمانية وفرنسا أعطت امتيازات للسلطة الملكية الفرنسية، وكل امتياز منها كان يشكّل موضوع اتفاقية عُرفت بدورها بالتسمية “امتياز”.

وتعتبر الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية المقدمة التاريخية للاستعمار والإرساليات التي استَشْرَت في جسم الدول التي كانت تسيطر عليها في القرنين 12-13هـ/18-19م ، وجاءت نتيجة تفاعل الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية، وهي لإقامة نشاط تجاري لغير المسلمين، ومنح رعايا الدول الأجنبية النازلين في الدولة العثمانية أو السائحين فيها، أو حتى المارِّين بها مروراً امتيازات لم تكن تُمنح للعثمانيين أنفسهم من غير العِرق التركي.

وبمرور الزمن اعتبرت تلك الدول الامتيازات التي مُنحتها من صميم حقوقها، ولا يمكن التفريط فيها، وأصبحت تطالب بالمزيد، مما أدَّى إلى نتائج خطيرة على الدولة العثمانية نفسها ومن يتبعها.

كانت كل من إستانبول وإزمير مدينتين تجذبان التجار إليها إلى حد كبير، كذلك كانت الدول الغربية بحاجة إلى المواد الخام بعد الانقلاب الصناعي في أوروبا، وحصلت بالتالي على امتيازات مهمة، وهي:

الامتيازات السياسية: هدفت إلى حركات توسعية على حساب الدولة، مما جعل المنطقة ساحة دائمة للمواجهات الدموية بين القوى المتنافسة على زعزعة أمنها واستقرارها، وأدَّى انهيار القوى السياسية للدولة إلى البحث عن حلفاء جدد يدعمونها في تلك المواجهات، وعقد معاهدات دفاعية وهجومية في الوقت نفسه.

الامتيازات الاقتصادية: بكل أشكالها شجَّعَت على زيادة تدفُّق رؤوس الأموال الأجنبية إلى داخل البلاد، والعمل على توظيفها في مشاريع تعمل أساساً على خدمة مصالح الرأسمالي الأوروبي ذات العلاقة المباشرة مع الدولة العثمانية بالاتجار في المنتجات الزراعية والصناعية في جميع أنحاء الدولة دون قيد أو شرط، وحددت ضرائب الصادرات بنسبة 12%، يدفع منها الأجانب 3% فقط – وقد أوضحت ذلك بالتفصيل في كتابي “الإرساليات التنصيرية الأمريكية في الدولة العثمانية (1215-1343هـ/1800-1924م )”- ، وقام الأجانب – ومنهم وأولهم الفرنسيون – بشراء الأراضي وتملُّكها داخل الدولة بتأثير من المنصِّرين والسياسيين الغربيين، وكان ذلك ممنوعاً قبل 1284هـ/1867م، ثم صدر من بعده قانون متعلق بشراء الأجانب لأملاك من الأراضي وغيرها.

الامتيازات الثقافية: أعطت هذه الامتيازات الجاليات الأجنبية – والأقليات تسلقوا عليها – شيئًا يسيرًا من روح المساواة، الذي بدوره تضاعف مع الزمن، ووصل إلى حد أنه أصبح حقًّا مكتسبًا، ونتج عنه أن تعاونوا ضد الدولة لإضعافها وتدميرها، وتلك نتيجة تراكمات لسياستهم.

أما من ناحية الامتيازات الدينية فقد شكَّلَت كل قنصلية أوروبية مركز نفوذ تلتف حوله فئة من الرعايا الذين مُنحوا بعضًا من شروط الامتيازات، وبذلك تداخلت السياسة مع الدين.

ونتيجة لمنح الامتياز وفتح أبواب كانت الدولة في غنًى عنها ظهر صراع الامتيازات الأجنبية الاستعمارية بين القوى المتضادة، وهي بريطانيا وفرنسا من جهة، وانضمت للصراع روسيا القيصرية وألمانيا، ولحقت بهم فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل الاستحواذ على أكبر مساحات ممكنة من أراضي الدولة، إلى أن تصل إلى الانهيار الكلي، وأحوال معظم الدول العربية سابقاً ولاحقاً خير شاهد على تأثرها بتوابع تلك الامتيازات، وما كان من الدول العظمى وقتها – كما يسميها التاريخ في تلك الحقبة – إلا أن تم بينهم عقد التحالفات والاتفاقيات، خاصة بين الدول المتنافسة لتستأثر كل واحدة منهم بنصيب الأسد.