إضفاء الهالة القدسية

على تاريخ سلاطين الدولة العثمانية

سعى الأتراك عبر سرديتهم التاريخية إلى ترويج الأكاذيب وافتعال الهالات القدسية لرموزهم وتمريرها على الناس، حتى انتشرت وثبتت لدى العامة، فالسردية التركية العثمانية التي تعتبر أن ذروة إنجازاتها الثقافية والفكرية العثمانية كانت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وأن الدولة العثمانية دخلت بعد نهاية عهد سليمان القانوني عام (1566) في فترة طويلة من التدهور أثّرت على مقدراتها السياسية والعسكرية وإنتاجها السياسي والثقافي والفكري، ولم يستطع بعدها الكتّاب الأتراك أن يطوروا فكرة جديدة تختلف عن الأفكار التي وضعها المفكرون المسلمون الأوائل عرباً وفرساً، حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وواقع الحال أن السرديات العثمانية اعتمدت صيغة السرد البطولي والأسطوري للسلاطين في كثير من الأحيان لإبهار القارئ وجعله يسبح في عالم من الوهم المصطنع.

السرديات الملفقة: كيف تم تضخيم دور سلاطين العثمانيين؟

من ابرز السرديات التي تم تمريرها؛ الهرطقة الدينية والدروشة المتصوفة في  نشأة وتكوين إمارة عثمان والدولة العثمانية فيما بعد، فقد كان للرؤى والأحلام نصيب كبير منها، وهو ما أثبته  “حاجي خليفة ” بقوله: “وكان عثمان بك يحب العلماء والصلحاء، وكثير التردد إلى الشيخ أده بالي القرماني، وربما يبيت في زاويته. فرأى ليلة في منامة أن قمراً خرج من حضن الشيخ، فدخل في حضنه، وعند ذلك نبت من سرته شجرة عظيمة سدّت أغصانها الآفاق، وتحتها جبال راسيات ذات أنهار وعيون، والناس ينتفعون من تلك المياه. فلما استيقظ، قص رؤياه على الشيخ، فقال الشيخ له: “لك البشرى بمنصب السلطنة، وسيعلو أمرك وينتفع الناس بك وبأولادك، وإني زوجتك ببنتي هذه”. فقبلها عثمان الغازي، وتزوجها فولد له منها أولاد، من جملتهم السلطان أورخان” ،  فنسجت القصة والرواية لتحقق هدف واضح هو إضفاء الهالة والقدسية الدينية على عثمان وخلفائه من بعده.

ومن ذلك أيضًا قول زياد أبوغنيمة: “وقام العالم المؤمن اده بالي، وهو والد زوجة عثمان ، بتسليم عثمان سيف والده في احتفال مهيب واطلق عليه لقب الغازي” زيادة في التأثير على نفسية القارئ بوضع هالة من التعظيم على  الحدث؟!.

ولم يكن هذا المثال الوحيد في الدولة العثمانية فلقد أضفي على بعض أحفاده كالسلطان محمد الثاني ما صنع منه أسطورة بسردية فتح القسطنطينية، وجعل منه البطل الرمزي الملحمي وغيره من السلاطين العثمانيين والتي صيغت الكثير من الأساطير والمبالغات، ومنها على سبيل المثال كتاب ” جهاننما” ” تواريخ آل عثمان ” لمحمد نشري ت (1520)، والذي يعد أحد طلائع المؤرخين العثمانيين الأوائل وهو من المصادر التاريخية الرئيسة لدى المؤرخين العثمانيين الأوائل والمتأخرين، وقد أشار “كاتب جلبي أو حاجي خليفة” ت (1657) في كتابه “كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” بقوله: “فيه أقوال واهية..”، ولقد اعتبر الكثير من المؤرخين الموالين للدولة العثمانية أن السلطان محمد الثاني هو المعني بـ”البشارة النبوية” الواردة في حديث النبي حول “فتح القسطنطينية”.

  1. حاجي خليفة: فذلكة التواريخ، تحقيق: سيد محمد السيد(أنقرة: مؤسسة العالي أتاتورك للثقافة واللغات والتاريخ ، 2009م)
  2. خليل اينالجيك: تاريخ الدول العثمانية من النشوء إلى الإنحدار، ترجمة: محمد الأرناؤوط(بيروت: دار المدار الإسلامي ، 2002م)
  3. زياد أبو غنيمة : جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين( عمّان : دار الفراقان ، 1983م)
  4. علي محمد محمد الصلابي: الدَّولة العُثمانية عَوَامِل النهوض وأسباب السقوط، (القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001م)
  5. محمد فريد بك المحامي: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي (بيروت: دار النفائس، ط2، 1983م)
  6. يلماز اوزتونا: المدخل على التاريخ التركي، ترجمة: أرشد الهرمزي(بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2005م)