بعد أن انتصر عليهم في جميع مواجهاته العسكرية معهم

العثمانيون رُغمًا عنهم اعترفوا بسيادة الملك عبدالعزيز على جميع المناطق التي استردها منهم

استطاع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أن يُكبد القوات العثمانية وحلفاءهم في شبه الجزيرة العربية هزائم كبرى، لا سيما في معركتي البكيرية والشنانة، وزاد من حرج الدولة العثمانية في شبه جزيرة العرب انسلاخ كثير من أجزائها عن احتلالها؛ إذ اضطرت الدولة العثمانية على إثر ذلك أن تحد من تواجدها وعملياتها العسكرية في أواسط شبه الجزيرة العربية، وأن تركز جهودها لمواجهة الوضع المتدهور في اليمن مثلاً، ومن هنا أصدرت إسطنبول أوامرها إلى أحمد فيضي باشا بالتحرك إلى اليمن، كما أرسلت إليه إمدادات عسكرية ولوجيستية في سبيل مواجهة التمرد في اليمن.

ومن ناحية أخرى آلت قيادة الحامية العثمانية في أواسط الجزيرة العربية إلى القائد العثماني صدقي باشا، الذي اقتنع جيدًا بضرورة التفاوض مع الملك عبدالعزيز، لتهدئة الأحوال من ناحية، ومن ناحية أخرى إنقاذ القوات العثمانية من هلاكها المحتم في الصحراء.

لجأ القائد العثماني صدقي باشا إلى التفاوض مع الملك عبد العزيز آل سعود لإنقاذ الأتراك من الهلاك المحتم

لذلك لجأت الدولة العثمانية إلى سياسة التفاوض مع الملك عبدالعزيز آل سعود، وتدخل في الأمر بعض الأطراف السياسية، وجرت محادثات مع الوالي العثماني للبصرة، ولكنها لم تصل إلى نتيجة مرضية للملك عبدالعزيز، وبعد فترة جرى التوصل إلى مغادرة القوات العثمانية أواسط شبه جزيرة العرب، وامتد نفوذ الملك عبدالعزيز آل سعود إلى منطقة القصيم.

ويشير المؤرخون إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني أرسل في عام (1906) إلى الملك عبد العزيز آل سعود يشكره على معاملته عساكر الدولة العثمانية تلك المعاملة الشريفة، والسماح لهم بالانسحاب في أمان إلى العراق وإلى الحجاز، ويقول المؤرخ المصري السيد رجب حراز: “والواقع أنه منذ عام 1906 فصاعدًا كان عبد العزيز آل سعود هو القوة المسيطرة في وسط شبه الجزيرة العربية”.

وكان الهدف الأكبر للملك عبد العزيز توطيد دعائم الدولة السعودية، ولم شمل جزيرة العرب تحت لوائه، ومن هنا نجح في استرداد الأحساء من المحتل العثماني، كما طردهم منها نهائيًا، وأتاح ذلك وصول الملك عبدالعزيز إلى المناطق السعودية على الخليج العربي، حيث أصبح رقمًا مهمًا في المعادلة الدولية في المنطقة قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام (1914).

تجمعت العديد من العوامل وراء هذا النجاح الكبير، ووصول المؤسس إلى الخليج العربي، منها انشغال العثمانيين بالأحوال المضطربة في اليمن، وكذلك عدم استقرار الأمور الداخلية في بعض الإمارات الموالية للعثمانيين، يُضاف إلى ذلك الصراع الداخلي في إسطنبول نفسها مع وصول الاتحاد والترقي إلى الحكم، والمنافسة التي واجهها العثمانيون من القوى الدولية، لا سيما بعد منح إسطنبول ألمانيا- عدوة إنجلترا- امتياز بناء خط سكك حديد بغداد، وزاد الأمر بلة على الدولة العثمانية انشغالها بالحرب الإيطالية الليبية 1911- 1912، وأيضًا الحرب البلقانية 1912- 1913.

استرداد الملك عبد العزيز آل سعود للأحساء جعلته رقمًا مهمًا في المعادلة الدولية بالجزيرة العربية

لذلك عاودت الدولة العثمانية سياسة التفاوض مع الملك عبدالعزيز آل سعود، ونجحت في الوصول إلى معاهدة تفاهم معه، تضمنت 12 بندًا في 15 مايو (1914)، وكان من أهم بنود هذه المعاهدة الاعتراف بسيادة الملك عبدالعزيز آل سعود على مناطقه التي استردها، منها المناطق السعودية على ساحل الخليج العربي، لا سيما في موانئ القطيف والعقير، كما طلبت الدولة العثمانية دعم الملك عبد العزيز لها في حالة وقوع اعتداء عليها.

هكذا انتهت جولات الملك عبدالعزيز مع الدولة العثمانية باعترافها بسيادته على أواسط الجزيرة العربية، ومن المعلوم أن هذه المعاهدة لم تُنَفذ لأنه سرعان ما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام (1914)، هذه الحرب الضروس التي استمرت حتى عام (1918)، وفي أعقابها سقطت الدولة العثمانية، وقامت على ما تبقى منها دولة تركيا الحديثة.

  1. حافظ وهبه، جزيرة العرب في القرن العشرين (د.م: لجنة التأليف والترجمة، 1935).

 

  1. خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1985).

 

  1. السيد رجب حراز، الدولة العثمانية وشبه جزيرة العرب (1840- 1909) (القاهرة: د.ن، د.ت).

 

  1. عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط 12 (الرياض: مكتبة العبيكان، 2003).