بعد أن تحالفوا مع الإسبان

الصفويون ترجموا التطرف ضد العرب المسلمين

قام الشاه إسماعيل الصفوي مع مطلع القرن السادس عشر بخطوة غريبة ومثيرة غيَّرَت مجرى التاريخ الإيراني؛ حيث فرض تغيير المذهب الرسمي، واضطهد أتباع المذهب السُّني، الذي كان حتى ذلك الوقت هو المذهب الأكثر انتشارًا في أرجاء إيران، وفي الحقيقة لم يكن العامل المذهبي الديني هو الدافع وراء هذا التحول الخطير، حيث يعتبر البعض أن الصفوية هي أبعد ما يكون عن المذهب الإثنا عشري.

يؤكد ذلك المؤرخ الفرنسي الشهير جرامون واصفًا الصفوية قائلًا: إنها “العقيدة الهجينة الغريبة التي يدعو إليها -الصفوي- والتي يجد المرء فيها عقائد محلية قبل إسلامية، ممتزجة بعقائد أخرى قادمة من الشامانية القديمة المميزة لسكان البراري، مع تغطية كل ذلك بطلاء خفيف من إسلام متشيِّع، لكنه جد غريب عن النزعة الإثنا عشرية”.

هكذا يتضح لنا أن المشروع الصفوي هو أبعد ما يكون عن الإسلام، بل وعن المذهب الشيعي نفسه، وأنه في حقيقة أمره ليس إلا مشروعًا سياسيًّا تعبيرًا عن النزعة الفارسية المتطرفة القادمة من العصر الوثني.

من هنا لم يكن غريبًا أن يتحالف الشاه إسماعيل الصفوي مع أعداء الإسلام، لا سيما القوى الأوروبية الصليبية الجديدة، وعلى رأسها إسبانيا، كما عرض التحالف مع المجر، حيث بعث الشاه إسماعيل الصفوي برسالتين إلى إسبانيا والمجر طلب فيهما عقد معاهدة صداقة وتعاون بينهم ضد العالم العربي.

ويصل هذا التحالف الأثيم إلى ذروته في عصر الشاه عباس الكبير الذي يعتبر أحد كبار الأكاسرة الجدد في التاريخ الإيراني؛ إذ تدفعه البراجماتية السياسية إلى التحالف مع إسبانيا، القوة الصليبية الأولى في العصر الحديث، والعدو الأكبر للإسلام والمسلمين، وهنا لا بُد من الإشارة إلى الدور الصليبي الإسباني في طرد المسلمين من الأندلس، هذا فضلاً عن محاولاتهم المستميتة في إجبار مَن بقي من المسلمين في الأندلس على التحوُّل عن الإسلام واعتناق المسيحية الكاثوليكية، كما لا يجب أن ننسى الفظائع التي ارتكبتها إسبانيا من خلال ما عُرف بمحاكم التفتيش، خاصةً ضد المسلمين.

ولم تكتفِ إسبانيا باضطهاد مسلمي الأندلس فحسب، وإنما عقدت العزم على غزو بلاد المغرب العربي واستعمار أراضيه وترويع مسلميه، وبالفعل بدأت الغزوات الإسبانية في احتلال الثغور الإسلامية، ومحاولة محو الإسلام من هذه البقاع، ويكفي أن نشير هنا إلى ما ارتكبه الإسبان -على سبيل المثال لا الحصر- من جرائم ضد الإنسانية عند احتلالهم مدينة تونس، وفي ذلك يقول شوقي الجمل: “وقد أصاب تونس على يد الإسبان الكثير من صُنوف الدمار، فقد اندثرت الكثير من المعالم الدينية بها، ووصل الأمر بهم إلى أن اتخذوا جامع الزيتونة إسطبلًا لخيولهم، وأتلفوا ما به من نفائس الكتب، وحمل بعضها إلى روما، حيث أهدوها إلى الفاتيكان”.

وعلى الرغم من هذا التاريخ المشين لإسبانيا الكاثوليكية، هذا التاريخ الملطَّخ بدماء المسلمين، فلم يستنكف الشاه عباس الصفوي التواصل، بل والتحالف مع إسبانيا في إطار مشروعه السياسي البراجماتي للسيطرة على العالم الإسلامي.

وبالفعل بدأت إيران الصفوية وإسبانيا الصليبية تبادُل البعثات السياسية والرسل، ورسائل الصفقات السياسية منذ وصول عباس إلى الحكم، وزادت وتيرة ذلك الأمر مع اتحاد البرتغال مع إسبانيا، وبذلك ورثت إسبانيا النفوذ البرتغالي في الخليج العربي.

وللتأكيد على لادينية المشروع الصفوي، وعلى براجماتيته السياسية، نذكر هنا هذه الواقعة المهمة والدالَّة في هذا الصدد؛ إذ جاءت بعثة إسبانية إلى البلاط الصفوي عام (1602)، وطلبت بناء كنيسة كاثوليكية في إيران من أجل “التنصير”، لكن الشاه عباس تظاهر بالرفض مُعلِّلًا رفضه بخشيته من اعتراض وغضب رجال الدين الشيعة، ولكن بخبث شديد وميكيافيلية سياسية، قدَّم هذا الاقتراح إلى الإسبان: “إذا حدث وساعدتم إيران في حروبها ضد الدولة العثمانية، ففي هذه الحالة يمكن بناء عدة كنائس لا كنيسة واحدة في إيران، وذلك دون خشية من رجال الدين الشيعة”.  

وفي إحدى البعثات الإيرانية إلى البلاط الإسباني قدَّم الوفد الإيراني طلبًا إلى إسبانيا بإرسال السفن الإسبانية والبرتغالية لمهاجمة موانئ البحر الأحمر، والعمل على إغلاق الملاحة الإسلامية في هذا البحر.

كما قدَّم الشاه عباس الصفوي عرضًا للإسبان عن طريق البنادقة، يتضمَّن أن تتقاسم إيران وإسبانيا العالم الغربي والشرقي، وبمقتضى هذا العرض تستولي إيران على الجزء الآسيوي، بينما إسبانيا في أوروبا.

الدولة الصفوية خططت لإغلاق البحر الأحمر ومحاصرة العالم الإسلامي للسيطرة عليه وعلى ثرواته.

وفي حقيقة الأمر أدَّى هذا التحالف بين إيران الصفوية وإسبانيا الصليبية إلى إظهار الوجه الحقيقي للبراجماتية السياسية للمشروع الصفوي، وتراجُع مكانة إيران الصفوية كقوة إسلامية، وهكذا تتَّضح معالم المشروع السياسي الصفوي المعادي للإسلام والمسلمين، الذي لا يستنكف أن يتحالف مع الغرب الأوروبي لخدمة مصالحه الفارسية المتطرفة ضد العرب والمسلمين.

  1. بديع جمعة، أحمد الخولي، تاريخ الصفويين وحضارتهم (القاهرة: د.ن، د.ت).

 

  1. شوقي الجمل، المغرب العربي الكبير من الفتح الإسلامي إلى الوقت الحاضر (القاهرة: مكتبة الأنجلو، 1977).

 

  1. عبد العزيز نوار، تاريخ الشعوب الإسلامية في العصر الحديث (القاهرة: دار الفكر العربي، 1998).

 

  1. عمر عبد العزيز، محاضرات في تاريخ الشعوب الإسلامية (القاهرة: دار المعرفة، د.ت).