الأحواز

الرئة العربية التي تتنفس منها إيران الفارسية

يبقى إقليم الأحواز العربي المُحتلّ فارسيًّا مركز ثقل في الصراع العربي الفارسي، ومتى نجح عرب الأحواز في كسب قضيتهم، سينعكس ذلك على موازين القوى في المنطقة، وعلى الأمن القومي لدول الخليج العربي.

والإلمام بملف “عربستان” مقدمة لترافعٍ أمثل عن القضية الأحوازية، التي يجب التعامل معها بمنطق “عدالة القضية” أولاً، ثم بمنطق التقاطعات الاستراتيجية، وهو ما يحيلنا إلى منطق بدر خادم عبدالرحمن الداخل حين قال: “النصر هو ما اجتمعت فيه الغايتان”.

بمنطق الحسابات الاستراتيجية (المجردة من رابطة العرق والدم)؛ فإن القضية الأحوازية تدخل ضمن خانة “الهدف الاستراتيجي الحاسم”، من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي الموضوعي، وهو بناء جدار صدٍّ استراتيجي ضد الأطماع الإيرانية، وتحويل إيران من قوة إقليمية إلى دولة عادية مضطرة للتعايش مع محيطها الإقليمي.

وتاريخيًا؛ ظلت عربستان هدفًا استراتيجيًّا في الأجندة الفارسية، بالنظر إلى ما تتوافر بها من إمكانات طبيعية وزراعية وطاقية، جعلت منها “سلة” إيران والعراق والخليج العربي على السواء. هذا وزادت الاكتشافات النفطية من أهمية عربستان، وجعلت منه مركز الثقل الاقتصادي والطاقي للمحتل الإيراني. ويضاف إلى ما تقدم الأهمية الجيوستراتيجية للأحواز على مضيق هرمز، وهو ما جعل إيران تتحكم في هذا المجال الذي يشكل شريان الحياة لدول الخليج العربي وإيران على السواء.

إقليم الأحواز يُعَدُّ مركز الثقل الاقتصادي والطاقِي لإيران، والسلة الغذائية لدول المنطقة.

في هذا الصدد، وبلغة الأرقام ينتج الأحواز نحو حوالي 70% من البترول الإيراني، ويحتوي الإقليم على 35% من المياه في إيران، كما تُعَدُّ مدينة “عبدان” الأحوازية إحدى أهم مراكز تكرير البترول وتصديره، وترتبط منشآتها بحقول النفط والغاز في مختلف أرجاء البلاد. وتُعدُّ أيضًا مرفأً استراتيجيًّا يتيح لإيران واجهة ثمينة على الخليج العربي وعلى الملاحة الدولية المتجهة من هذه المنطقة إلى مختلف أنحاء العالم.

وحول الأهمية الوجودية لعربستان بالنسبة لإيران؛ نجد الشاه محمد رضا بهلوي يتناول قيمة إقليم الأحواز بالنسبة لإيران في كلمة له أمام مجلسي الشورى والنواب سنة (1964)، فيقول: “إن المصالح الإيرانية في مقاطعة الأحواز وخصوصًا في مناطق النفط فيها ستبلغ حتما في عام 1970 مبلغ 1000 مليون دولار، ولا أريد أن أقول أكثر…كما ستبلغ منافعنا من النفط المنتج من مياه وسواحل الخليج إلى الموعد السالف الذكر ثلث هذه المبالغ. وإذا أضفنا إلى ذلك عوائد الغاز الطبيعي والصنائع البتروكيماوية وصادرات الأسمدة الكيماوية وغير ذلك في الأحواز ستتجسم في خاطركم أرقام بالغة”.

اعتراف شاه إيران دليل على رغبة الفرس في استدامة احتلال هذه الأرض العربية، ومواصلة استغلال ثرواتها الطاقية والطبيعية. ولعل هذه الإرادة لاستدامة هذا الاحتلال الاستيطاني ظل نقطة ثابتة في أجندة جميع من تعاقبوا على حكم إيران، والذين رفضوا حتى منح الأحواز العرب الحق في التوزيع العادل للثروة، رغم أنهم يَعُدُّون مصير إيران مرتبطًا بالأحواز وليس العكس.

إن حكام إيران يَعُدُّون الأحواز “عقب آشيل” في بنائهم الإستراتيجي وهي نقطة الضعف الحاسمة، التي يمكن أن تُذهب بالصورة التي حاول أن يرسمها الفرس على إيران. ولذلك نجد رئيسًا مثل محمد خاتمي يقول “إيران تحيا بخوزستان” (خوزستان هو الاسم المحرف الذي يطلقه الفرس على عربستان).

ويمكن القول بأن نظرة سريعة على الخليج العربي توضح بجلاء بأن احتلال عربستان والجزر الإماراتية الثلاثة جعل إيران تضع قلب الأرض Heart Land بين فكي الكماشة، ومن ثم استغلال الأدوات والوسائل (بالمفهوم الاستراتيجي) التي يوفرها الإقليم، واستعمالها كقاعدة لتهديد الملاحة البحرية وورقة ابتزاز لفرض حالة من عدم الاستقرار على الأسواق والبورصات العالمية، في ظل مجتمع دولي “معولم” يتأثر أقصى غربه بما يقع في أقصى شرقه.

ويبقى التوفيق بين ضرورة الترافع الأمثل عن القضية الأحوازية، وتَبَنِّيها إعلاميًّا وسياسيًّا، وبين إعمال منطق “التنزيل الإستراتيجي الأمثل” مفاتيح لإنقاذ الأحواز من مخالب إيران، ومن ثم ضرب عِدَّة عصافير بحجر واحد: الانتصار لعدالة القضية الأحوازية، ضمان الأمن القومي في منطقة الخليج العربي، وتقليم أظافر إيران، التي ستتحول إلى دولة عادية، إن لم تنخرها المطالب السياسية التي ما فتئت ترفعها المجموعات العرقية.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. أحمد المظفر، الأحواز: منذ ظهور الإسلام إلى القرن الخامس الهجري (دمشق: دار الحصاد، 2021).

 

  1. آمال السبكي، تاريخ إيران السياسي بين ثورتين 1906-1979م (الكويت: عالم المعرفة، 1999).

 

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. عبدالمسيح الأنطاكي، الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2014).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).