إبادة الأحواز.. طريق إيران للعالم!!
الطريقة التي يؤمن بها ويستخدمها الفرس لاستعادة مجدهم البائد كما قال ذات يوم قائد ميليشياتهم العسكرية “قاسم سليماني” هي عبر إبادة العرب الذين دمروا إمبراطوريتهم الفارسية.
وللحقيقة فإنه لا يشترك معهم في هذه النظرة إلا المستعمرون والمنظمات الإرهابية، فأسلوب تجريف الأرض من السكان الأصليين واقتلاعهم من بلادهم هو صفة تُلازِم المحتل أينما ذهب، وفي الأحواز العربية يتأكد ذلك في كل فرصة تسنح للفرس الإيرانيين.
لم تكن مقاومة المحتل لدى الأحوازيين العرب مجرد ترف أو نزعات انفصالية فقط، ولا بحث عن تحسين المعيشة المتردية، ولا تمردًا على العنصرية المقيتة التي يفرضها الفرس عليهم، بل كانت خيارًا لا مناص منه، إنها الحرية والخروج من الاستعباد الفارسي.
لطالما سأل “عرب الأحواز أنفسهم”، كونهم أحفاد العرب الأوائل الذين خرجوا من جزيرة العرب، أهكذا يرد “الفرس” الجميل للعرب الذين تركوا بلادهم، وخرجوا إلى أصقاع الدنيا، ومنها فارس، يحملون لهم هَدْي الإسلام، محمَّلين بالقيم المحمدية والسنة النبوية، لقد أخذ العرب تلك الرسالة العظيمة ونشروها في فارس وحوَّلوهم من عبادة النار والأجرام السماوية إلى عبادة الواحد الأحد، ومِن تشارُك الزوجات إلى الخُلق الكريم.
في الوجدان الفارسي لا يزال العربي ابن الصحراء هو الأقل شأنًا منهم، ولا يرونه إلا آكلًا للسحالي، هذا المفهوم العنصري استمر منذ غزوات ملوك كسرى للجزيرة العربية قُبَيل الإسلام حتى اليوم.
لم يكن سقوط إمارة الأحواز العربية تحت الاحتلال الفارسي هينًا على الشعب العربي هناك أبدًا، فبعد مرور عدة أشهر على الاحتلال العام 1925م، أشعل جنود الشيخ خزعل وحرسه الخاص -الذين كانوا يسمون الغلمان- أول ثورة سُمِّيت باسمهم “ثورة الغلمان”، ولم تكن تلك الانتفاضة المحدودة إلا شرارة تبعها لليوم ثورات متتالية ترفض الاحتلال، وتنادي بالاستقلال العربي عن حكم الفرس.
لم تأتِ ثورة “بني طرف” -العشيرة العربية الأحوازية- إلا بحثًا عن حرية مفقودة وعدالة منشودة، يقول: “مصلح خضر الجبوري” في كتابه الدور السياسي للأقليات في الشرق الأوسط، شارحًا كيف أخذت الانتفاضة العربية بُعدًا أوسع بدخول قبائل وعشائر أخرى كانت هي العمود الفقري للتحرك ضد المحتل، لا سيما بنو سالة وبنو لام والشرفة والمحيسن، لتسيطر بعدها العشائر الثائرة على جميع القرى والمخافر والمدن المنتشرة في مناطقها، ودامت هذه الانتفاضة بضعة أشهر.
ذلك الانتشار السريع للانتفاضة دفع المحتل الفارسي لحشد جيش كبير من مختلف الثكنات العسكرية، لكن ذلك لم يَثنِ عرب الأحواز عن مشروعهم المستقل، فقد واجه المحتل الفارسي مقاومة كبرى شديدة عند اجتيازه المناطق الأحوازية الواقعة تحت سيطرة المنتفضين، نظرًا للتحصينات المحكمة التي أقاموها وطبيعة الأرض التي تكثر فيها الأنهار والمستنقعات وبساتين النخيل، الأمر الذي دفع الجيش الإيراني الفارسي لاستخدام الأسلحة الثقيلة من مدفعية ودبابات، وكذلك طائرات مقاتلة قصفت القرى وتجمعات العشائر، وحرقت البيوت والمزارع، وقتلت أبناء الشعب الأحوازي عشوائيًّا.
لقد نظر الإيرانيون للعرب المنتفضين على أنهم جيش مسلح، بينما كانوا مدنيين عُزَّل لا يملكون لمقاومة المحتل سوى أياديهم وعروبتهم التي لم تنكسر يومًا، لقد فاضَ الكيل بالشعب العربي في الأحواز، وخرجوا في انتفاضتهم باحثين عن الموت بعدما يئسوا من حياة الذل والإهانة والاستبداد التي يعيشونها تحت الاحتلال الفارسي البغيض.
يقول أيضًا الكاتب مصلح خضر الجبوري: إن القصف الجوي العشوائي للمدن والقرى، وحرق البساتين والمنازل استمر أيامًا متتالية، حتى تم القضاء وبشكل وحشي على الأحوازيين المنتفضين.
وفي رواية أخرى لمشهد الأحواز الجريحة تؤكد ما عاشه السكان هي ما قاله الكاتب العربي المعروف الدكتور علي الوردي:
فكانت مجزرة إرهابية شنيعة همجية رهيبة راح ضحيتها آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والرجال المنتفضين، وكان التكافؤ في القوة العسكرية بين الطرفين معدومًا تقريبًا إلا من الإرادة الوطنية الصلبة للمنتفضين، وعـند تغلُّب القوات النظامية وسلاح الجو الفارسي على المنتفضين من أبناء شعبنا العربي الصامد في الأحواز قامت السلطة العنصرية الفارسية بترحيل مئات المنتفضين الذين تراوح عددهم حوالي (1500) مواطن أحوازي إلى شمال فارس، مشيًا على الأقدام تحت تهديد السلاح وإعدام العشرات، وقد اجتاز العدو الفارسي بكل الأسرى والمعتقلين أولئك الجبالَ الوعرة والوديان العميقة، فمات أكثرهم في الطريق بسبب الإعدام والجوع والإنهاك والتعب والبرد، ولم يصل منهم إلى طهران سوى حوالي الأربعين مواطنًا أحوازيًّا وزَّعـتهم السلطات الإيرانية على القرى النائية، وكان جريمة وعنصرية وعملًا إرهابيًّا فارسيًّا لا تزال الأجيال الأحوازية تتحدث عنه.
يعلم “الإيرانيون الفرس” يقينًا أنهم يعيشون على خيرات الأحواز العربية -من نفط وغاز، ومياه ومزروعات وثروات سمكية-، ويعلمون أن التفريط فيها سيُعِيدهم إلى حدودهم الجغرافية الحقيقية، ومكانتهم المتواضعة في العالم، وهم يعون تمامًا أن الأقاليم التي يحتلونها – العربية، والبلوشية، والكردية، والجرجانية- لم ولن تخضع لهم إلا بالدم والقتل والترهيب المستمر، ولذلك فإن سياستهم الدموية لا تزال تعمل على الأرض بلا هوادة، وخاصة في الأحواز منذ احتلاله لليوم.