يوم المشقر "الصفقة"

أحد أيَّام الغدر الفارسي بالعرب قبل الإسلام

من أهم الأيام التي تغنت بها العرب في الجاهلية يوم “المشقر” أو كما يطلق عليه أيضًا يوم “الصفقة”، وامتدَّت أهمية هذا اليوم إلى تاريخ صدر الإسلام؛ نظرًا لأهميته عسكريًّا وأدبيًّا في تاريخ العرب قبل الإسلام.  

سُميَّ يوم “المشقر” نسبةً إلى حصن ” المُشَقَّر ” المعروف بقرية القارة بالأحساء، أحد أهم الحصون في شرق الجزيرة العربية، وهو من الحصون التي اندثرت آثارها. ومما يُروى أن تسميته بالمُشَقَّر لنوع الرمال التي استخدمت في طلائه، التي تتسم بالميل إلى الاحمرار. كما أنه سُمي بيوم الصفقة، بسبب صفق الباب، حيث أغلق الفرس وأعداؤهم باب الحصن ليغدروا بعرب بني تميم.

ولتسليط الضوء على أحداث يوم المُشَقَّر، لا بُد من العودة إلى حركة قوافل التجارة بين فارس واليمن، في الوقت الذي كانت فيه اليمن محتلةً من قِبَل الفُرْس، حيث يحدثنا عبد الوهاب عزام استنادًا إلى الأصفهاني صاحب كتاب “الأغاني” أن التجارة بين فارس واليمن، ما كان لها أن تعبر دروب الجزيرة العربية بأمان إلا في خفارة القبائل العربية عبر هذا الطريق؛ لأن الجنود الفرس لا يعرفون دروب الصحراء، كما أنهم لا يستطيعون التكيف مع البيئة الجغرافية الصعبة. وكان على الفرس دفع رسوم خفارة إجبارية للقبائل العربية على طول الطريق، ويقول عزام: ” فإن كسرى بعث إلى عامله باليمن بعيرًا، وكان باذان على الجيش الذي بعثهُ كسرى على اليمن، وكانت العير تحمل نبعًا فكانت تبذرق (أي تسير معها الخفارة) من المدائن حتى تدفع إلى النعمان ويبذرقها النعمان بخفراء من ربيعة ومضر حتى يدفعها إلى هوذة بن علي الحنفي فيبذرقها حتى يخرجها من أرض بني حنفية ثم تدفع إلى سعد (من تميم) وتجعل لهم جعالة فتسير فيها فيدفعونها إلى عمال باذان باليمن”.

ويشير حسين مجيب المصري إلى أن هذه القوافل كانت تحمل أخشابًا مهمة لصناعة الأسلحة وخاصةً السهام، لكن الفرس غدروا ببني تميم؛ بعد أن اتفقوا أن يتولى غيرهم خفارة القوافل بدلاً من بني تميم، على أن يأخذ الجدد أموال الجعالة المخصصة لهم.

اعتبر بنو تميم هذا الأمر إهانة لهم، واعتداءً على دورهم التاريخي، فقاموا بالاستيلاء على القوافل وما بها، وأسروا المسؤولين عنها. فأصرَّ كسرى على الانتقام من تميم؛ وبهذا منع كسرى إرسال “الميرة” أي الحبوب إلى بني تميم لمدة سنة، وكانت هذه السنة من أشد السنوات جدبًا. ولم يكتفِ كسرى بذلك، بل استمر في حيلته من أجل خديعة بني تميم والتنكيل بهم؛ إذ أرسل مناديًا من طرفه إلى بني تميم، ينادي بأن كسرى قد عفا عنهم، وأرسل الميرة إليهم، وأن عليهم التوجه إلى حصن المشقر من أجل استلام الميرة.

وبالفعل توجه الناس إلى الحصن أملاً في الحصول على الميرة بعد أن مروا بسنة من أشدِّ السنوات. وهنا كانت خديعة كسرى وجنوده لبني تميم؛ إذ قام بصفق باب الحصن (أي إغلاقه)، ولم يسمح بدخولهم إلا فرادى واحدًا بعد واحد، معللاً ذلك بأنه بغرض تنظيم الدخول والحصول على الميرة. بينما كان في الحقيقة يقوم الفرس بقتل من يدخل إلى الحصن منهم، دون أن يعلم من في الخارج حقيقة ما يدور في الداخل.

خطط كسرى لإقامة مذبحة بين أبناء قبيلة تميم، فدعاهم بحجة العفو وقتلهم فُرادى.

وارتاب البعض في الأمر، خاصةً مع عدم خروج من دخل إلى الحصن. ويقال: إن أحد رجال بني تميم ويدعى الخيبري قام بضرب سلسلة الباب بسيفه، فانفتح الباب، ليكتشف الناس حدوث مذبحة لكل من دخل إلى الحصن. وأنشد الخيبري شعرًا في ذلك اليوم- يوم المشقر- وكيف أنقذ أهله من غدر الفرس:

هكذا غدر الفرس ببني تميم، وكانت مذبحة يوم المشقر أو يوم الصفقة، أحد أيام العرب قبل الإسلام، شاهدًا جديدًا على خداع الفرس وغدرهم بالعرب.

  1. جواد علي، المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4 (بيروت: دار الساقي، 2001).

 

  1. حسين مجيب المصري، صلات بين العرب والفرس والترك (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001).

 

  1. رئيف خوري، مع العرب في التاريخ والأسطورة (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2019).

 

  1. عبد الخالق الجنبي، هجر وقصباتها الثلاث (بيروت: دار المحجة البيضاء، 2004).

 

  1. عبد الوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2012).

 

  1. محمد جاد وآخرون، أيام العرب في الجاهلية (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1942).

 

  1. هوما كاتوزيان، الفرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة، ترجمة: أحمد حسن المعيني (بيروت: دار جداول، 2014).