الجزائر والتوسع العثماني بامتهان القرصنة واستحسانها
يقول المؤرخ مبارك محمد الهلالي الميلي في مؤلفه تاريخ الجزائر القديم والحديث: ” سقطت هيبة الأتراك في أعين سكان الجزائر، إضافة إلى أن أهالي ميناء الجزائر بدأوا يتضجرون من تصرفات الأتراك، الذين كانوا يعاملون الجزائريين معاملة فظَّة، وبدأت تظهر بوادر التمرد، إلا أن عروجَ ذهب بنفسه إلى منزل السلطان سليم التومي، وقتله بيده في الحمام حيث وجده، وخرج على جنده وأعلن نفسه سلطانًا على الجزائر”. ولم تكن تلك الحادثة مهما كانت مسوغاتها نهاية لحدث؛ بل كانت بدايات لأحداث دامية.
لقد كان الوجود العثماني في تونس وطرابلس الغرب منذ عام 958هـ/1551م ، وفيه اُحتلت طرابلس الغرب، وفي عام 976هـ /1569م اُحتلت تونس من العثمانيين، وفي عام 981هـ/1573م خضعت تونس نهائياً للإدارة العثمانية، حيث عاشت بعدها فترة وصفها من عاصرها بـ”السوداء” مدة أربعة قرون من الاحتلال العثماني، وكانت نتائجها على البلاد والعباد من الفقر والجهل والمرض حتى فاض الكيل، وتزعمت كل الطبقات الاجتماعية فيها الثورات وتنظيم تيارات من المعارضة، وسجل المؤرخون فظائع الأتراك لتكون وثيقة اتهام تفضح تاريخهم الاستعماري الأسود، بحسب ما تقول المصادر التاريخية عن حقبة العثمانيين في تونس وطرابلس الغرب، وتم فصلهما بشكل مستقل، وعُين لكل منها أمير أمراء رُبط باستانبول مباشرة. وقد ذكر ذلك كاتب تركي باعتباره فخرًا لهم، وهو عزيز سامح التر في مؤلفه “الأتراك العثمانيون في شمال إفريقيا”.
ومن نماذج تلك الأحداث، جرى تعيين حيدر باشا أميرَ أمراءِ تونس، وحسن باشا أميرَ أمراءِ طرابلس الغرب في عام 985هـ/1577م، ولهم من توليتهم أحداث وصراعات مؤسفة.
فمثلاً نشطت حركة القرصنة البحرية في سواحل الشمال الأفريقي، وكان الخطر الإسباني والفرنسي تهديده دائم لأوجقات الغرب، ومن ثم القرصنة على حدّ وصف صاحب الكتاب “لم ترق للعثمانيين” ليس خوفاً على مصالح البلاد والعباد فيها، وإنما تلك الاعتداءات تعتبر تعدٍيًّا على دول لها ارتباط اتفاقيات ومعاهدات وامتيازات معها كفرنسا وإنجلترا، اللتين بدورهما تقدمتا بشكوى للباب العالي، ولكن قراصنة تونس وطرابلس الغرب لم يلتزما الأوامر الصادرة من السلطنة، فهم أقدر على حماية أنفسهم ورعاية مصالحهم، وكالمعتاد حدثت حوادث خطيرة وتجاذبات سياسة منها ما حدث بين عامي 995-997هـ / 1586-1588م ، عندما عين أحمد باشا وخرج بنفسه للقرصنة، وهاجم السواحل الإسبانية، وقد أضر ذلك باتفاقيات الدولة العثمانية مع إسبانيا وأعلن التمرد على أوامر السلطان العثماني بأن يرجعوا ويكفوا اعتدائهم، وحكم عليهم بالإعدام لكن أمراء الأوجاق الثلاثة، عمدوا إلى أخذ المحكوم عليهم وإخلاء سبيلهم، وازداد غضب الباب العالي والشعور بالإهانة.
لقد عانى أهالي تونس وطرابلس الغرب الظلم والإرهاب الذي مارسه عليهم أمير الإنكشارية من جهة أخرى، وبلغ حدًّا لم يعد بمقدورهم تحمله، وحدثت تمردات، كردة فعل على الممارسات العثمانية واستغلال الثورات داخل الشمال الإفريقي لإحداث أعمال انتقامية، ولكنهم كانوا يصدمون بردود فعل شرسة من داخل الأوجاق الثلاثة، والاتفاقات بين الباشوات المعينين والعسكريين .
وبعد أحداث سياسية في عام 1017هـ/ 1608م ، عاد مجموعة من الانكشارية لطلب رواتبهم التي لم يتقاضوها، وتم عزل الباشا مصطفى كعادة السلطة العثمانية، ولخوفهم من أن يذهب بما حصل عليه اندفعوا ضده لنهب أمواله وما لديه عوضاً عن تقصيره تجاههم، ولكن الباشا المُعين كبديل وهو رضوان باشا تكفل لهم بدفع جزء، وأن يتكفل مصطفى باشا بدفع المتبقي – هنا يتأكد ويتبين مدى اهتمام الباشوات بمصالحهم الذاتية والاستحواذ على ما يمكن الاستحواذ عليه قبل انصرافهم من مناصبهم، وعادت الفوضى من جديد، وأن يتحمل الأهالي تغطية المنهوبات من جهدهم الزراعي ومحاصيلهم، على هيئة عشور وضرائب ترهق كاهل الجميع لتغطية رواتب الانكشارية المتأخرة.
والحقائق المُرة تستمر …….