رغم أن لغتهم تعتمد بنسبة 80 % على العربية

الفرس يظهرون العرب بصورة سيئة في أدبياتهم

قُدِّر للعرب أن يكون الفرس جيرانهم الشرقيين، ولطالما كانت جيرة متوترة مليئة بالشك وعدم اليقين من قبل العرب في صدق نوايا الفرس، الذين رغبوا -دائمًا- في الانقضاض على العرب والاستيلاء على بلدانهم، وهو ما تحقق قبل الإسلام في العراق واليمن، ويحار الباحثون في نظرة الفرس للعالم بعيون عربية بينما الأولى والأقرب لهم أن يروها بعيون شرقية، حيث فضاءهم العرقي في أفغانستان والهند وأوزبكستان وجورجيا، لا سيَّما أن الفرس الأكاسرة أقرب إلى تلك الأعراق منهم للعرب، ومع ذلك تنحصر أطماعهم في العراق والخليج العربي والأرض العربية كاملة.

يُنقل عن الأستاذ الإيراني بجامعة طهران صادق زيبا خلال مقابلتين أجراهما مع صحيفة “صبح آزادي” الإيرانية، عن نظرة الإيرانيين الفرس تجاه العرب قائلا: “نكره العرب وبسببهم نلعن أهل السنة.. ولا ننسى لهم القادسية”. وفي إشارة إلى الأسباب التاريخية لكره العرب يقول صادق: “يبدو أننا كإيرانيين لم ننس بعدُ هزيمَتَنَا التاريخية أمام العرب، ولم ننس القادسية بعد مرور 1400 عام عليها، فنُخفي في أعماقنا ضغينةً وحقدًا دفينين تجاه العرب، وكأنها نار تحت الرماد، تتحول إلى لهيب كلما سنحت لها الفرصة”.

يتعالى الإيرانيون على العرب مظهرين احتقارهم لبداوتهم وعاداتهم وأسلوب حياتهم، لكنهم في حقيقة الأمر استلبوا العرب، ف 80% من كلمات اللغة الفارسية عربية الأصل، وانتشر الإسلام في فارس حتى غلب الزرادشتية المجوسية، بالرغم من محاولاتهم إبقاء طقوسها العرقية.

كانت هزيمة الفرس في معركة القادسية عام  15هـ (636م) حدثًا مدويًا في التاريخ، فالفرس لم يهزموا في معركة فحسب، بل انهارت سلطتهم ودولتهم وذابت هويتهم وهدم إيوانهم وقتل ملكهم، ومن ثم لم تكن معركةً عسكرية فحسب، بل كانت سيطرة حضارة جديدة قادمة من أعماق الصحراء، حضارة مليئة بالأدبيات الإنسانية التي نشرها الإسلام، وفاقت هرطقات بلاد فارس، ولعل أكثر ما يفضح الكراهية التي يضمرها كثيرٌ من الفرس للعرب، المتوارثة جيلاً بعد جيل هي أدبياتهم التي يحتفون بها وينثرونها شعرًا في كتبهم وتتناقلها أجيالهم.

لم تمض سوى سنوات قليلة على انتصار القادسية حتى سادت الثقافة العربية وفنونها وآدابها على الفكر الفارسي حتى عصر الدولة السامانية (346-450هـ)، حين انطلقت أولى الكتابات الشعوبية التي بدأت بكتابة ملحمة “الشاهنامة” الشهيرة، التي تمثل عمود الثقافة الإيرانية ومعين قوميتها الفارسية، ومن نماذج الانتقاص والتحقير والأشعار العدائية ضد العرب التي دونها الفردوسي في ملحمته الأبيات التالية:

يكشف أحد المهتمين بالدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية تلك العلاقة الشائكة ورسوخها في العقلية الفارسية الإيرانية، التي تنتشر بوضوح في المناهج الدراسية معلنة عداءً سافرًا تجاه العرب قائلاً: “إن المتتبع لتاريخ العلاقات العربية – الفارسية يؤكد حقيقة متوافرة، وهي أن هذه العلاقات اتسمت بروح العداء الفارسي للعرب، والنزعة التوسعية على حساب أراضيهم وبلادهم، والرغبة الشديدة التي تصل إلى حد الهوس للسيطرة عليهم”.

يؤكد ذلك موقف الأدباء في التراث الفارسي القديم؛ فالشاهنامة -ملحمة الفردوسي الشهيرة- تنتهي صفحاتها بقدوم العرب المسلمين والقضاء على الدولة الساسانية واحتلالها. وقد تم تصوير العرب فيها على أنهم أقل مدنيَّة من الفرس. فها هو ذا (رستم) قائد الجيش الفارسي يرسل رسالة إلى سعد بن أبي وقاص (قائد الجيش العربي) يقول فيها: “جئت في عساكر حفاة عراة بلا ثقل ولا رحل ولا فيل ولا تخت. ثم بلغ الأمر من شربكم ألبان الإبل وأكلكم أضباب القيعان التي تمنى أسرة الملوك العجم أرباب التخوت والتيجان. فأقبل إلى خدمة حتى ترى من إذا تبسم وهب أثمان جميع رؤوس العرب، ولا ينقص كنزه شيئاً “.

وعلى هذا الأساس وضع الفردوسي ملحمته التي تخلو من أي شاعرية وأسماها الشاهنامه (ملك الكتب) واضعاً جُلَّها في شتم العرب وتحقيرهم، وتمجيد الفرس وملوكهم ؛ وراح العنصريون الفرس يُحَفِّظُونَ أبناءهم و يغذونهم بهذه القصائد والأشعار العدائية.

وترى الباحثة والمؤلفة جويا بلندل سعد في كتابها “صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث” أن إظهار العربي في الأدب الإيراني دائمًا ما تكون بصورة سيئة، واختارت نماذج لإثبات ذلك من خلال خمسة من الكتاب الإيرانيين، هم: محمد علي جمال زاد، وهو كاتب نثري وصاحب مقالات، وصادق هدايت الذي يعد من أشهر كتاب إيران في القرن العشرين، والقاص والروائي صادق جوباك، والشاعران مهدي أخوان ساليس ونادر نادربور. بالمقابل، اختارت ثلاثة من الكاتبات الفارسيات، وهن الشاعرة فروغ فرخ زاد، وطاهره سفرزاده، والقاصَّة والروائية سيمين دانش فشار.

وتوصلت الباحثة إلى أنه: “يتبيّن من القصص والروايات أن الكتاب الإيرانيين رسموا صورة نمطية بائسة للعربي والإسلام، وألقوا باللائمة على العرب والدين الإسلامي تبعة تخلفهم عن ركب الحضارة، ويحمّلوهم مسؤولية تدمير الهوية الثقافية الإيرانية، ويرفضونهم بوصفهم غرباء ويعارضون القيم الثقافية الإيرانية الحقة. وترتكز رؤيتهم إلى ميتافيزيقا النموذج القومي الإيراني، التي تتحدث عن الأصل المشترك والتجانس اللغوي والعرقي، مقابل التركيز على الفروقات العرقية مع العرب”.

أكثر ما يفضح النقص الحضاري الفارسي، خلو بلادهم من أي إرث معماري حقيقي يعود إلى الحقبة الساسانية قبيل الإسلام، وكل ما نراه من أثر حضاري هو اندماج بين فنون العمارة العربية، وفون عمارة أواسط آسيا، ولا يستطيع الإيرانيون المعاصرون إثبات أي بناء يعود لدولتهم الحلم الذي أنهاه المسلمون الأوائل في معركة القادسية، بالرغم من محاولات الإيرانيين المعاصرين إثبات سمو عرقهم وتعاليه على الثقافة العربية التي اقتاتوا عليها ولا يزالون أسرى لها.

أغلب الآثار الماثلة للتاريخ الفارسي في إيران من إرث العرب بعد "القادسية".

  1. جويا بلندل، صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث (دمشق: قدمس للنشر والتوزيع، 2007).
  2. حسين مجيب المصري، صلات بين العرب والفرس والترك (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2001).
  3. عبد الوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2012).
  4. نبيل العتوم، صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية (عمَّان: مركز أمية ودار عمار، 2015).