الامتداد العربي لإقليم "عربستان"

كارستن نيبور: "لقد أخطأ جُغْرَافِيُّونَا حين صوروا لنا جزءًا من الجزيرة العربية خاضعًا لحكم الفرس"

يُعدّ إقليم الأحواز العربي امتدادًا للعراق شرقًا في المناطق بين جبال زاجروس والبختارية، ومنفذ طبيعي وممر استراتيجي موصل إلى العراق، لذا حرص كل غازٍ من الشرق على احتلاله ليكون قاعدة للهجوم على العراق -متى ما حانت الفرصة-، وهو ما فعله قائد جيش المأمون طاهر بن الحسن، كما فعله يعقوب بن الليث الصفار، أيضًا استطاع أحمد بن بويه السيطرة على العراق عبر الأحواز، وتكرر ذلك كثيرًا في عصر السيطرة البويهية على الدولة العباسية.

وبناءً على ذلك فإن الأحواز بمنزلة خاصرة العالم العربي في الشرق، لذا حرصت الدولة العباسية على تعزيزها والحفاظ عليها، وفي الوقت نفسه حرص أعداؤها على التمركز فيها والتحضير لأي غزو أو محاولة للسيطرة على العراق وعاصمته بغداد.

وسميت المنطقة الواقعة على غرب سواحل الخليج العربي بالحوزة؛ لأنها بقيت منذ ما قبل الفتوحات عربية خالصة في حوزة القبائل العربية التي نزحت من سواحل الجزيرة العربية إلى السواحل المقابلة خلال رحلاتها التجارية وامتلكتها قبل 1500 عام. يقول الرحالة الألماني “كارستن نيبور” الذي جاب الجزيرة العربية عام (1762) عن عرب الأحواز: “لا أستطيع أن أمر بصمت مماثل بالمستعمرات – العربية- الأكثر أهمية، التي رغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة العربية، هي أقرب إليها، أعني العرب القاطنين بالساحل الجنوبي من بلاد الفرس، المتحالفين على الغالب مع الشيوخ المجاورين، أو الخاضعين لهم. وتتفق ظروف مختلفة لتدل على أن هذه القبائل استقرت على الخليج قبل فتوحات الخلفاء، وقد حافظت دومًا على استقلالها. ومن المضحك أن يصور جغرافيونا جزءًا من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، بينما لم يتمكن هؤلاء الملوك قط من أن يكونوا سادة ساحل البحر في بلادهم الخاصة. لكنهم تحملوا -صابرين على مضض- أن يبقى هذا الساحل ملكاً للعرب”.

وقال كذلك: “لقد أخطأ جغرافيونا -على ما أعتقد- حين صوروا لنا جزءًا من الجزيرة العربية خاضعًا لحكم الفرس؛ لأن العرب هم الذين يمتلكون -خلافاً لذلك- جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية: من مصب الفرات إلى مصب الإندوس (في الهند) على وجه التقريب. صحيح أن المستعمرات الواقعة على السواحل الفارسية لا تخص الجزيرة العربية ذاتها، ولكن بالنظر إلى أنها مستقلة عن بلاد الفرس، ولأن لسان لأهلها لسان العرب وعاداتهم؛ فقد عنيت بإيراد نبذة موجزة عنهم. ويستحيل تحديد الوقت الذي أنشأ فيه العرب هذه المستعمرات على الساحل. وقد جاء في السير القديمة أنهم أنشأوها منذ عصور سلفت. وإذا استعنا باللمحات القليلة التي وردت في التاريخ القديم، أمكن التخمين بأن هذه المستعمرات العربية نشأت في عهد أول ملوك الفرس”.

قديمًا عرف إقليم الأحواز باسم (عيلام)، وهي تسمية جاءت عن طريق السومريين والأكاديين. وقد خضع للإمبراطورية الأكادية. وخضعت عيلام بعد ذلك إلى حكم الكوتيين، ثم خضعت للمملكة البابلية في عهد حمورابي، وللمملكة الآشورية، وحينما قضى الكلدانيون والميديون على المملكة الآشورية، أصبحت تحت سيطرتهم، إلى أن سيطر عليها الفرس الأخمينيون سنة (539 ق.م) وأصبحت السوس عاصمة الإقليم. وعلى الرغم من تبعية الأحواز للفرس، بقي إقليمها يتمتع باستقلاله الذاتي، وبقي سكانه يستعملون لغتهم السريانية ذات الصلة القوية بالعربية، كما لم يستطع الأخمينيون فرض ديانتهم الزرادشتية على سكانه.

لم يسيطر الفرس قديمًا على الأحواز إلا في عصر الدولة الإخمينية.

التحرير العربي للأحواز من الفرس:

يعود تاريخ الفتوحات العربية التي شُنَّت على الساسانيين بهدف استعادة الأحواز إلى أيام الخلافة الإسلامية، وارتبط تحريرها بتحرير البصرة، إذ كانت قبيلة بكر ابن وائل التي تستوطن في (الأبلة)، تشن غارات على الأطراف الغربية للإمبراطورية الساسانية.

ومن أبرز القادة العرب في تلك المعارك كان قطبة بن قتادة، الذي أرسل إليه عمر بن الخطاب فور توليه الخلافة مؤازرة بقيادة شريح بن عامر، الذي قُتل في إحدى معاركه بالأحواز، ثم أرسل إليه قوة كبرى بقيادة عتبة بن غزوان الذي استقر في البصرة، ثم بدأ تدفق هجرات القبائل من تميم وبكر وقبائل الحجاز الذين شكلوا الجيش الذي حرر الأحواز عبر معارك متتالية.

وبعد انتصار العرب في معركة القادسية فتح أبو موسى الأشعري الأحواز، وبقي الإقليم منذ عام (637) إلى (1258) تحت حكم العرب، تابعاً لولاية البصرة، إلى أيام الغزو المغولي. ثم نشأت فيه الدولة المشعشعية العربية (1436-1724)، واعترفت بها الدولتان الصفوية والعثمانية وباستقلالها، ثم نشأت بعدها الدولة الكعبية (1724-1925)، وحافظت على استقلالها كذلك.

حافظت الأحواز على عروبتها، وبقيت إداريًّا تحت لواء مدينة البصرة العراقية فترات عديدة، وقُسِّمت إلى ست مناطق تولى كل منطقة عامل تابع للدولة العربية (أموية وعباسية). ولفترة طويلة بقيت الأحواز قاعدةً للتنافس على حكم بغداد، فهي الخزان السكاني العربي، والممر الطبيعي للعراق باتجاه السواحل، بل شهدت المعركة الحاسمة بين أبناء الرشيد الأمين والمأمون عام (812)، وقد أسفرت نتائجها -فيما بعد- عن مقتل الأمين وانتصار المأمون.

موقع الأحواز الاستراتيجي بتوسطه بين الهند والصين شرقًا، وبين سواحل الجزيرة العربية غربًا، وامتداده إلى العراق شمالاً؛ أكسبه ذلك أهميةً بالغة، وجعل له دورًا اقـتصاديًّا في المنـطقة والعالم، فالإقليم نقطة اتصال رئيسة بين الشرق الأدنى والأقصى، كذلك يعدُّ جسرًا عربيًّا داخل آسيا.

كما أن الأحواز خزان ثروات تقتات عليه إيران الفارسية اليوم، وتخشى انفصاله أو انقطاع سيطرتها عليه؛ وذلك لثراء الإقليم بالمواد الخام والإمكانات الزراعية والسمكية الضخمة، وتعاظمت مكانته بعدما اكتُشِفَ فيه النفط والغاز في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، والذي عثر عليه أول مرة عام (1908) في منطقة مسجد سليمان، وهي إحدى مدن الأحـواز، الواقـعة على بعـد 150 كم من رأس الخـليـج العـربي، وقـد مُدَّت أنابيب النفـط في الأحـواز (عربستان) عام (1912) من المناطق النفـطية فـيها إلى ميناء عـبدان، لنـقـل الزيت الخام منها إلى الخارج بواسطة رصيف للبواخـر أنشئ لهذه الغاية، كما بُنِيَت فيه مصفاة لتكرير النفـط، وتحوي حقـول الأحـواز كمية ضخمة من البترول والغاز.

الفرس يقهرون عروبة الأحواز:

يكشف كتاب الأحواز لأحمد المظفر؛ أن الفرس أطلقوا على الأحواز أسماءً مختلفة، بقصد محو عروبته، مثل (خوزستان) التي تعني بلاد القلاع والحصون، إلا أنه وفي عهد الشاه إسماعيل الصفوي استعاد الإقليم مسماه العربي حسب اللفظ الفارسي وسمي (عربستان)، ويعني إقليم العرب، وهذا يدل على كثافة الوجود العربي وأصالته في الأرض.

ويبين المؤلف أن منطقة الأحواز تقع -بحسب التقسيمات الجغرافية القديمة- بين نهر كارون ونهر طاب حتى مدينة ميسان، وتعرضت حدودها للتغيير والتبديل، تبعاً للتطورات الإدارية والتنظيمات الجديدة في كل من البصرة وواسط، التي نجمت عن توسع الدولة العربية الحديثة، وظهور تنظيمات إدارية لها علاقة بنظام الجباية.

ومن المدن المهمة في الإقليم (الأحواز)، وقد غيَّر الفرس اسمها -فيما بعد- باسم فارسي هو (هرموز شهر)، وتقع في مكان متوسط بين البصرة من جهة، وأقاليم الأطراف الجنوبية للهضبة الإيرانية من جهة أخرى. إضافةً إلى مدن السوس القديمة جدًا، و(تستُر) و(جند يسابور) و(رامهرمز) و(متوث) وغيرها الكثير.

يشير الباحث التاريخي أحمد المظفر إلى أن أحد ملوك الساسانيين قبل الإسلام؛ قام بتهجير بعض القبائل العربية من تغلب وعبدالقيس وبكر، وفرقهم في أقاليم توج وكرمان والأحواز، بهدف الحد من سلطانهم ونشاطهم البحري والتجاري في مياه الخليج العربي. أما الطريق الثاني لانتشار العرب في الأحواز فقد كان عن طريق الفتوحات الإسلامية، وبدأت عملية استقرار العرب في الإقليم منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. أحمد المظفر، الأحواز: منذ ظهور الإسلام إلى القرن الخامس الهجري (دمشق: دار الحصاد، 2021).

 

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. عبدالمسيح الأنطاكي، الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2014).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).

الأحواز

الرئة العربية التي تتنفس منها إيران الفارسية

يبقى إقليم الأحواز العربي المُحتلّ فارسيًّا مركز ثقل في الصراع العربي الفارسي، ومتى نجح عرب الأحواز في كسب قضيتهم، سينعكس ذلك على موازين القوى في المنطقة، وعلى الأمن القومي لدول الخليج العربي.

والإلمام بملف “عربستان” مقدمة لترافعٍ أمثل عن القضية الأحوازية، التي يجب التعامل معها بمنطق “عدالة القضية” أولاً، ثم بمنطق التقاطعات الاستراتيجية، وهو ما يحيلنا إلى منطق بدر خادم عبدالرحمن الداخل حين قال: “النصر هو ما اجتمعت فيه الغايتان”.

بمنطق الحسابات الاستراتيجية (المجردة من رابطة العرق والدم)؛ فإن القضية الأحوازية تدخل ضمن خانة “الهدف الاستراتيجي الحاسم”، من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي الموضوعي، وهو بناء جدار صدٍّ استراتيجي ضد الأطماع الإيرانية، وتحويل إيران من قوة إقليمية إلى دولة عادية مضطرة للتعايش مع محيطها الإقليمي.

وتاريخيًا؛ ظلت عربستان هدفًا استراتيجيًّا في الأجندة الفارسية، بالنظر إلى ما تتوافر بها من إمكانات طبيعية وزراعية وطاقية، جعلت منها “سلة” إيران والعراق والخليج العربي على السواء. هذا وزادت الاكتشافات النفطية من أهمية عربستان، وجعلت منه مركز الثقل الاقتصادي والطاقي للمحتل الإيراني. ويضاف إلى ما تقدم الأهمية الجيوستراتيجية للأحواز على مضيق هرمز، وهو ما جعل إيران تتحكم في هذا المجال الذي يشكل شريان الحياة لدول الخليج العربي وإيران على السواء.

إقليم الأحواز يُعَدُّ مركز الثقل الاقتصادي والطاقِي لإيران، والسلة الغذائية لدول المنطقة.

في هذا الصدد، وبلغة الأرقام ينتج الأحواز نحو حوالي 70% من البترول الإيراني، ويحتوي الإقليم على 35% من المياه في إيران، كما تُعَدُّ مدينة “عبدان” الأحوازية إحدى أهم مراكز تكرير البترول وتصديره، وترتبط منشآتها بحقول النفط والغاز في مختلف أرجاء البلاد. وتُعدُّ أيضًا مرفأً استراتيجيًّا يتيح لإيران واجهة ثمينة على الخليج العربي وعلى الملاحة الدولية المتجهة من هذه المنطقة إلى مختلف أنحاء العالم.

وحول الأهمية الوجودية لعربستان بالنسبة لإيران؛ نجد الشاه محمد رضا بهلوي يتناول قيمة إقليم الأحواز بالنسبة لإيران في كلمة له أمام مجلسي الشورى والنواب سنة (1964)، فيقول: “إن المصالح الإيرانية في مقاطعة الأحواز وخصوصًا في مناطق النفط فيها ستبلغ حتما في عام 1970 مبلغ 1000 مليون دولار، ولا أريد أن أقول أكثر…كما ستبلغ منافعنا من النفط المنتج من مياه وسواحل الخليج إلى الموعد السالف الذكر ثلث هذه المبالغ. وإذا أضفنا إلى ذلك عوائد الغاز الطبيعي والصنائع البتروكيماوية وصادرات الأسمدة الكيماوية وغير ذلك في الأحواز ستتجسم في خاطركم أرقام بالغة”.

اعتراف شاه إيران دليل على رغبة الفرس في استدامة احتلال هذه الأرض العربية، ومواصلة استغلال ثرواتها الطاقية والطبيعية. ولعل هذه الإرادة لاستدامة هذا الاحتلال الاستيطاني ظل نقطة ثابتة في أجندة جميع من تعاقبوا على حكم إيران، والذين رفضوا حتى منح الأحواز العرب الحق في التوزيع العادل للثروة، رغم أنهم يَعُدُّون مصير إيران مرتبطًا بالأحواز وليس العكس.

إن حكام إيران يَعُدُّون الأحواز “عقب آشيل” في بنائهم الإستراتيجي وهي نقطة الضعف الحاسمة، التي يمكن أن تُذهب بالصورة التي حاول أن يرسمها الفرس على إيران. ولذلك نجد رئيسًا مثل محمد خاتمي يقول “إيران تحيا بخوزستان” (خوزستان هو الاسم المحرف الذي يطلقه الفرس على عربستان).

ويمكن القول بأن نظرة سريعة على الخليج العربي توضح بجلاء بأن احتلال عربستان والجزر الإماراتية الثلاثة جعل إيران تضع قلب الأرض Heart Land بين فكي الكماشة، ومن ثم استغلال الأدوات والوسائل (بالمفهوم الاستراتيجي) التي يوفرها الإقليم، واستعمالها كقاعدة لتهديد الملاحة البحرية وورقة ابتزاز لفرض حالة من عدم الاستقرار على الأسواق والبورصات العالمية، في ظل مجتمع دولي “معولم” يتأثر أقصى غربه بما يقع في أقصى شرقه.

ويبقى التوفيق بين ضرورة الترافع الأمثل عن القضية الأحوازية، وتَبَنِّيها إعلاميًّا وسياسيًّا، وبين إعمال منطق “التنزيل الإستراتيجي الأمثل” مفاتيح لإنقاذ الأحواز من مخالب إيران، ومن ثم ضرب عِدَّة عصافير بحجر واحد: الانتصار لعدالة القضية الأحوازية، ضمان الأمن القومي في منطقة الخليج العربي، وتقليم أظافر إيران، التي ستتحول إلى دولة عادية، إن لم تنخرها المطالب السياسية التي ما فتئت ترفعها المجموعات العرقية.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. أحمد المظفر، الأحواز: منذ ظهور الإسلام إلى القرن الخامس الهجري (دمشق: دار الحصاد، 2021).

 

  1. آمال السبكي، تاريخ إيران السياسي بين ثورتين 1906-1979م (الكويت: عالم المعرفة، 1999).

 

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. عبدالمسيح الأنطاكي، الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2014).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).
تشغيل الفيديو

بتواطؤ استعماري

يوم فقدت الأحواز العربية حريتها سنة (1925)

تعد مسألة ضياع الأحواز من الصفحات السوداء في تاريخ العرب المعاصر؛ إذ توافق الاستعمار الفارسي مع الأطماع الأجنبية في المنطقة في عام (1925) على سقوط الأحواز في يد إيران، كصفقة في إطار إعادة رسم خريطة المنطقة العربية في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، فما هي قصة الأحواز؟

كانت الأحواز من الإمارات العربية المستقلة على الخليج العربي، وكانت هذه الإمارة دومًا معرضة للأطماع الإيرانية نتيجة موقعها الإستراتيجي، هذا فضلاً عن مواردها الزراعية والنفطية المهمة. لكن إيران لم تنجح في الاستيلاء على هذه الإمارة؛ نظرًا لقوة مكانة أميرها الشيخ خزعل الكعبي.

وقفت بريطانيا في بداية الأمر إلى جانب الشيخ خزعل الكعبي، وأعلنت حمايتها له من الأطماع الفارسية؛ نظرًا لأهمية حقول النفط في إمارته لبريطانيا. وفي هذا الإطار قامت بريطانيا بإنشاء مصفاة للنفط في ميناء عبدان في الأحواز، وقامت ببعض الاستثمارات في هذا الشأن.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام (1914) طلبت بريطانيا من الشيخ خزعل الوقوف إلى جانبها في الحرب من أجل جذب العرب إليها. وبالفعل وقف الشيخ خزعل وإمارته إلى جانب بريطانيا أثناء الحرب، وتعهد بحماية المنشآت النفطية في الإمارة من أي هَجَمات تركية أو ألمانية. وفي مقابل ذلك أصدرت بريطانيا على لسان المعتمد البريطاني في الخليج خطابًا للشيخ خزعل تتعهد فيه بحمايته من الأطماع الإيرانية. ونص هذا الخطاب على أن: “حكومة صاحبة الجلالة البريطانية مهما طرأ من التبدل على شكل الحكومة الإيرانية، وسواء كانت هذه الحكومة ملكية أو مستبدة أو دستورية، فإن بريطانيا مستعدة أن تمدكم بالمساعدات اللازمة للحصول على حل يرضيكم ويرضينا إذا تجاوزت الحكومة الفارسية على حدود اختصاصكم وحقوقكم المعترف بها، أو على أموالكم الموجودة في فارس. وكذلك ستبذل حكومتنا أقصى جهدها في الدفاع عنكم لقاء أي اعتداء أو تجاوز يأتي إليكم من أي دولة أوروبية”. 

لكن الأمور في طهران كانت تسير عكس هذا الاتجاه، فمع وصول الضابط رضا خان إلى الحكم، ثم اعتلائه العرش بعد ذلك تحت اسم رضا شاه بهلوي سنة (1925)؛ ازدادت النزعة الفارسية المتطرفة، وتعالت الأصوات بعودة المجد الفارسي القديم.

وبالفعل، بدأت التحرشات الإيرانية بالشيخ خزعل، تمهيدًا لمد النفوذ الفارسي على الأحواز، ثم الاستيلاء عليها. حيث بدأت طهران في مطالبات مالية مستحقة من وجهة نظرها على الإمارة. ورفض الشيخ خزعل الانصياع إلى هذا الأمر، ورد على طهران بأن هذا الأمر يُعًدُّ تدخلاً في شؤونه الداخلية، كما أنه مناقضًا للفرمان الشاهنشي الذي مُنح لأبيه في عام (1857).

لم تكتفِ طهران بذلك، بل بدأت عملية التحرشات العسكرية بإرسال مئات الجنود الإيرانيين إلى حدود الإمارة، بحجة حفظ الأمن والنظام، ومواجهة خانات البختيارية الخارجين على طهران. وأزعج هذا الأمر الشيخ خزعل، وطلب تدخل بريطانيا لمواجهة ذلك وفقًا لتعهداتها السابقة التي قطعتها على نفسها في عام (1914) بحماية الأحواز من أي تدخلات إيرانية. لكن بريطانيا اكتفت بطمأنة الشيخ خزعل، الذي تلقى خطابًا من البصرة يؤكد على أن: “الأيام ستحقق لعظمة الشيخ خزعل أن بريطانيا العظمى لا تهمل أصدقاءها ولا تنسى جمائلهم”. 

ولم يقف الأمر عند التحرشات العسكرية، وإرسال الجنود إلى حدود الأحواز، بل بدأ الفرس بإثارة المتاعب الداخلية للشيخ خزعل، ومحاولة تأليب بعض التابعين له ضده. وفي تلك الأثناء بدأ ظهور تغييرات كبيرة في سياسة بريطانيا في المنطقة؛ إذ بدأت في التخلي عن حلفائها التقليديين لصالح رضا شاه بهلوي وحكومته في طهران. ويفسر علي محافظة هذا التحول السياسي، والتقارب القوي بين رضا شاه بهلوي وبريطانيا قائلاً: “أعجب البريطانيون بكراهية رضا خان للسوفيات والشيوعية، مثلما أعجبوا بقدرته على فرض طاعته على أقرانه من الضباط، وبطموحه الرامي إلى تطوير الجيش الإيراني وقربه منهم”.

وبالفعل تغيرت تصريحات بريطانيا؛ إذ لم تعد في صالح الشيخ خزعل، بل ضغط السفير البريطاني في طهران على الشيخ خزعل لتسوية خلافاته مع الشاه، وقال له إنه من الأفضل له “أن يكون صديقًا لصديقنا”، أي رضا شاه بهلوي.

هكذا أدرك الشيخ خزعل مدى خديعة بريطانيا له، وميلها تجاه الشاه. من هنا حاول توحيد قبائل الجنوب تحت ولائه، للوقوف في وجه الأطماع الإيرانية، وبالفعل تم الإعلان عن تشكيل “حلف السعادة” أو اتحاد القبائل الجنوبية؛ استعدادًا لمواجهة استفزازات طهران.

وبالفعل تحركت القوات الإيرانية لاجتياح الأحواز، وأرسل الشاه رسالة خديعة لأهالي الأحواز في محاولة لتهدئتهم، والفصل بينهم وبين زعيمهم الشيخ خزعل؛ إذ ادعى الشاه أنه جاء إلى الأحواز من أجل أن يخلص أهلها من ظلم الشيخ خزعل، واقتحمت القوات الإيرانية الأحواز، ثم لجأت إلى الحيلة والخديعة؛ إذ إدعى قائد القوات الإيرانية إقامة حفل تكريم للشيخ خزعل، وعند وصول الشيخ تم اعتقاله وإرساله إلى طهران.

يعلق الكاتب الفرنسي جاك بيريبي على الوضع المأسوي الذي انتهى إليه الشيخ خزعل قائلاً: “مات الشيخ خزعل في طهران محاطًا بكل مظاهر الشرف، محرومًا -في الوقت ذاته- من كل حقوقه كأمير مستقل. أما أراضيه فقد ضُمَّت إلى الإمبراطورية الفارسية، وكل ذنبه أن إمارته قائمة في مكان استراتيجي بترولي في عالم اليوم، عالم البترول الذي لا يحفظ حقًا ولا ذمة”.

جاك بيريبي: "مات الشيخ خزعل في طهران محاطًا بكل مظاهر الشرف، محرومًا في الوقت ذاته من كل حقوقه كأمير مستقل".

  1. مصطفى النجار، التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897-1925م (القاهرة: دار المعارف، 1970).

 

  1. فرح صابر، رضا شاه بهلوي والتطورات السياسية في إيران 1918- 1939 (السليمانية: مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، 2013).

 

  1. عليّ محافظة، إيران بين القومية الفارسية والثورة الإسلامية (عمان: د.ن، 2013).

 

  1. جان جاك بيريبي، الخليج العربي، ترجمة: نجده هاجر (بيروت: د.ن، 1959).