البريطانيون سَهَّلُوا احتلال الفرس للأحواز

أقنعوا الشيخ خزعل الكعبي بمفاوضات الخديعة التي قبض عليه خلالها سنة (1925)

عند الحديث عن أمتنا العربية الكبرى من المحيط إلى الخليج ، يستوقفنا جزء مهم من أرض أمتنا العربية؛ الأحواز الإقليم العربي الواسع، الذي يحيطه إقليميًّا بلاد فارس وأصبهان، وواسط والبصرة، ويشمل الأراضي السهلة بين مرتفعات جبال اللور في الشرق، والخليج العربي في الجنوب وأطراف نهر دجلة في الغرب. وتبلغ مساحة أرض الأحواز العربية، أي الساحل الشرقي والشمالي للخليج العربي، قرابة 324 ألف كيلو متر مربع. ومرت الأحواز عبر تاريخها الطويل بعدد من الإمارات العربية في مناطق الساحل الشرقي والشمالي للخليج العربي، كإمارة المشعشعين العربية في شمال وشرق الخليج، وبقيت الإمارة العربية محافظة على استقلالها السياسي لقرون طويلة بعد سلسلة غزوات فارسية مبكرة ومتكررة.

حافظت إمارة المحمرة على عروبتها لقرون قبل الاحتلال الفارسي، إذ تناوب على حكمها ثلاث عائلات عربية، المشعشعون، البو ناصر، البو كاسب من قبيلة بني كعب المعروفة في الأحواز والجزيرة العربية، وتنقلت في الإقليم من مدينة الحويزة إلى مدينة الدورق (الفلاحية حاليًّا)، إلى مدينة المحمرة تباعًا حتى يوم احتلالها.

          لجأ الفرس إلى الخديعة مع الأحواز كما هي عادتهم عندما يفشلون عسكريًّا، ولجأوا بالاتفاق مع الإنجليز إلى الخديعة من خلال التوسط بين العرب والفرس، فالمشاركة البريطانية بالخديعة، كانت حينما تم استدعاء الشيخ خزعل الكعبي إلى ظهر طراد بريطاني في شط العرب بالقرب من مدينة المحمرة العاصمة لتناول العشاء وإقامة مراسيم تجديد توقيع اتفاقية الاعتراف الفارسي والبريطاني باستقلالية الإمارة العربية. وذلك بعد سلسلة طويلة من المعارك والمناوشات المتكررة بين جيوش إيران وجيش إمارة المحمرة، ولعقد اتفاق صلح بين الأطراف المتحاربة. وقد تردد الشيخ خزعل في القدوم وشك في تلك النوايا المخادعة، واشتم رائحة الغدر والوقيعة، لكن مندوب الشاه رضا خان والقنصل البريطاني أقنعا الشيخ بالقدوم إلى حفل التوقيع لإنهاء الصراع بين البلدين. وفي الحقيقة لقد مهدت بريطانيا الطريق أمام رضا خان بهلوي لنصب المكيدة والاحتيال على الشيخ خزعل، ودعوته على ظهر يخت عائم على مياه شط العرب ليتمكن الفرس من أسر الأمير العربي، ومن بعد ذلك احتلال المنطقة عسكريًّا في ليلة الاعتقال في 19 على 20 من شهر نيسان عام (1925).

تنحت بريطانيا جانبًا بعد وصول الشيخ خزعل لظهر الطراد، وأخلَّت بتعهداتها للأمير العربي بحماية الإمارة، وتخلت عن دور الوساطة بين رضا خان والشيخ خزعل، واعتُقِل الشيخ على ظهر الطراد من قبل القوات الإيرانية، ليقتاد الأمير الكعبي إلى العاصمة الإيرانية طهران في 10 مايو سنة (1925) أسيرًا سجينًا. وكانت تلك الحركة هي البداية الفعلية لاحتلال جزء من الوطن العربي، مما أدى إلى قيام غلمان الشيخ خزعل بإعلان الثورة المسلحة ضد المغتصب المخادع والجبان، والتي سميت بثورة الغلمان، واستمرت الثورات تتابع بعد ذلك ضد المحتل.

وبعـد أن واجه النظام البهلوي المقاومة العربية الأحوازية القوية قرر سنة (1928) أن يجرد الشعب العربي الأحوازي من  السلاح، ويبدأ سياسة التفريس، وكانت أولى إجراءاته تبديل الزي العربي وتحريم لباسه، فتقدمت طهران بمطالب إلى العشائر  العربية بنزع السلاح بصورة كاملة وتبديل الزي العربي، وارتداء الملابس البهلوية، وطالب النظام رؤساء العشائر العربية برفع يدهم عن كافة ممتلكاتهم وأراضيهم، فجاءت ثورة الحويزة رداً على هذه الإجراءات الظالمة، علمًا بأن مدينة الحويزة إحدى مدن الأحواز وتبعد عن مدينة المحمرة قرابة 90 كيلومترا، وفي الحويزة قاد الثورة الشيخ محيي الدين الزئبق، وتعاونت معه عشائر متعددة، وتم تشكيل حكومة في الحويزة استمرت ستة أشهر، أعلنت الانفصال عن الاحتلال الإيراني وظلت تمارس حكمها بصورة مستقلة، وعلى الرغم من القسوة التي مارسها الاحتلال الإيراني إلا أن الشعب الأحوازي لم يخضع له لولا تعاون بريطانيا مع إيران في مراقبة نشاط العشائر العربية، وجندت المخابرات البريطانية نفسها لصالح الحكومة الإيرانية البهلوية، وبعد مضي ستة أشهر أخمدت الثورة ببشاعة وحقد ودماء، واعتقل عدد كبير من الثوار وأعدم بعضهم، وتم الاستيلاء على جميع الأملاك العربية، وزاد الإرهاب والبطش والتنكيل والاضطهاد، وألقي القبض على محيي الدين الزئبق قائد الثورة، وسجن في بيت خاص إلى أن توفي، وبعد نهاية ثورة الحويزة استمرت السلطات الإيرانية في البطش والإرهاب والتنكيل وزج الأحرار في السجون، وأُبعد الكثير من العرب إلى شمال إيران، وتم إحلال الفرس المستوطنين في أراضي العرب، كما أن بعض الأحوازيين نزح إلى العراق والكويت ودول خليجية أخرى.

المخابرات البريطانية كانت مساعدًا رئيسًا لسيطرة إيران على الأحواز وإفشال ثوراتها.

لقد مارست إيران مضايقة العرب في مصادر أرزاقهم وقطع المياه عن مزارعهم، والاستيلاء على أراضيهم وتوزيعها على المهاجرين الفرس، الذين أسكنتهم في مستعمرات أنشأتها لهم، ووفرت لهم كل الإمكانات لسبل عيشهم، وذلك على حساب أبناء الأحواز العربية، وما زال هذا القمع الوحشي مستمر حتى اليوم.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. خالد المسالمة، الأرض العربية المحتلة الأحواز، ط2 (ألمانيا: مركز الدراسات الألمانية العربية، 2008).

 

  1. صالح العلي، الأحواز في العهود الإسلامية الأولى (بغداد: مركز دراسات عيلام، د.ت).

 

  1. علي الحلو، الأحواز قبائلها وأسرها (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

سياسة إيران مع عرب الأحواز

كبت واضطهاد وحرمان من الحقوق الاجتماعية والخَدَمِيَّة

قال الجنرال الفارسي أحمد مدني الذي عَيَّنه الخميني حاكمًا على الأحواز: “إن العرب يثيرون الشغب، وسأشرب من دمائهم إذا استمروا في الضغط من أجل المطالب”. هكذا يتعامل جنرالات إيران في العصر الحديث مع عرب الأحواز. لم يكن ذلك تهديدًا، بل كان تطبيقًا عمليًّا لاستئصال الأحوازيين وإبادتهم عرقيًّا، فلم يدخر الجنرال أحمد مدني جهدًا في قمع الأحوازيين، حيث عمد في 30 مايو عام 1979م إلى ارتكاب مذبحة “الأربعاء الأسود” في مدينة المحمرة، التي أباد فيها خلال ثلاثة أيام فقط مئات من الرجال والنساء والأطفال الأحوازيين، بذنب عروبتهم وتوقهم إلى العيش في أرضهم دون معاناة.

وما فعله مدني لم يكن خارجًا عن ذاك السياق القمعي الفارسي للأحوازيين العرب، بل إنه عودة إلى السياسة الفارسية مع العرب في التاريخ، وسنجد أحداثًا مشابهة قام بها إسماعيل الصفوي، إذ تفيد المدونات التاريخية أنه استخدم ضد الأحوازيين سياسة الإرهاب الفكري، على نحو مذهبي ذميم. إنها الثقافة الفارسية التي تعتمد على استئصال الثقافة والمعرفة من صدور الأحوازيين لإبقاء الاحتلال جاثمًا على صدورهم والسيوف الفارسية على رقابهم.

ما مارسه الفرس مع عرب الأحواز؛ سياسية غاية في القسوة والصرامة، استندت على تغييب اللغة العربية، واستبدالها بالفارسية، حيث منعت السلطات الفارسية المُحتلَّة للأحواز تعليم اللغة العربية أو كتابتها والتخاطب بها.

وعلى الرغم من التمييز العنصري الفارسي ضد العرب، وكراهيتهم، وعدم الرغبة في دمجهم في المجتمع المحلي، والنظر إليهم وكأنهم زوائد سكانية على الخريطة الإيرانية، إلا أن ذلك لم يمنع من محاولة تفريس العرب؛ ليكونوا وإن تحدثوا الفارسية أقلية منبوذة بلا هوية يعتد بها، ويتقدم عليهم الفرس ثم الآذريون والأوزبك والبلوش، وأخيرًا العرب الذي وُضِعُوا في ذيل قائمة الأعراق التي يحكمها الفرس بالحديد والنار.

وقد عبَّر الأحوازيون عن حالة القهر التي يتعرضون لها منذ قرابة 100 عام إلى اليوم بأشكال مختلفة، منها الشِّعْرُ الذي أصبح صوتَ الأحوازيين الصارخ في وجه الاحتلال الفارسي، والذي دوَّن أشكال الكبت والاضطهاد والحرمان من الحقوق الاجتماعية والخدمية التي يعاني منها عرب الأحواز، لذا كان للشعراء الأحوازيون وقفة لفضح سياسة ملالي الفرس.

كما أنه رغم محاولات الشعراء الأحوازيين؛ إلا أن الزمن بدأ يعزل أجيالاً من العرب عن تراثهم وهويتهم، وقد عبَّر عن ذلك يوسف الصرخي بقوله: “إن الأدب –العربي- الفصيح رغم قدمه ووجود عمالقة أحوازيين في اللغة والأدب كأبي الهلال العسكري وعلي بن خلف المشعشعي وأبي معتوق الحويزي وآخرين إلا أن انقطاع الشعب الأحوازي عن تاريخه وامتداده الثقافي الطبيعي بسبب تعميم الدراسة في إيران باللغة الفارسية، كذلك الثقافة والأدب الفارسي، وحظر اللغة العربية ومنع تداولها، جعل الشعب الأحوازي يعيش حالة انقطاع معرفي تام عما سبق له من تاريخ ومنجزات في الأدب واللغة”.

وقد عملت إيران على منع العربية وتداولها، ما ساهم في حالة العزل التي رسمها الفرس لعرب الأحواز، وباتت اللغة العربية جريمة في نظر حكومة إيران، بل يعامل كل من يتعامل بالعربية كأنه عدو حقيقي، وعن ذلك يقول الصرخي: “إن الكاتب أو الشاعر الأحوازي عندما يكتب باللغة العربية؛ يعدُّ معارِضا سياسيًّا وربما متهمًا ومعتقلاً أو متورطًا في قضايا سياسية وعسكرية قد توصله إلى حبل المشنقة؛ لكونه يكتب بلغة غير رسمية مشتبه بها في نظر النظام الفارسي الإيراني”.

تعامل الفرس مع شعراء العرب وكأنهم مجرمون حقيقيون، وكل من يتحدث العربية يُصَنَّفُ عدوًّا لحكومة إيران.

لم يتبق أمام عرب الأحواز إلا حفظ الشعر وتداوله، باعتباره خِزَانتهم الثقافية بعدما واصل النظام الإيراني محاولة استئصال ثقافتهم واقتلاعها، وسلخهم من إرثهم وحضارتهم العربية، وبين الشاعر محمد عامر زويدات موقف الشعر العربي في الإرث الأحوازي قائلاً: “إن من وقف خلال التسعين عامًا الماضية، وحمل لواء محاربة الاحتلال بالكلمة واخترق جميع الحواجز، ونادى بضرورة طرد المحتلين من الأرض؛ هم الشعراء الأحوازيون المقاومون، إذ استمروا بكل شجاعة يطلقون قذائف الكلمات النارية بوجه الاحتلال الفارسي للأحواز، وينددون بالممارسات الثأرية والانتقامية الفارسية ضد كل ما هو عربي”. مؤكدًا على أن أكثر طبقة تعرضت للتعذيب والتشريد والاعتقال والاغتيالات هم الشعراء، وأضاف: “هناك جيش من الشعراء الشباب في الأحواز أخذوا على عاتقهم بث الوعي القومي والوطني في الشارع الأحوازي الذي يناهض الخطابات الطائفية التحريضية التي تبثها إيران في المنطقة”.

ويبدو ذلك جليًّا عندما يصف الأحوازيون مأساتهم مع العنصر الفارسي الاستئصالي العنصري، الذي يمارس سياسة الأرض المحروقة ضد دولة الأحواز العربية المحتلة، وشعبها، ولم يكتفِ بالاحتلال، بل مارَسَ أبشع أفاعيل الاغتيال الثقافي والتجريف الحضاري على الأرض، مثل أي محتلٍّ مُتَشَرِّبٍ بالخصومة والكراهية المُسْبَقَة.

يقول الباحثان باقر الصرَّاف، وعادل السويدي في كتابهما، “هل الخليج عربي أم فارسي  وقضايا أحوازية أُخَرْ”: “لقد كانت إمارة الأحواز تتمتع باِستقلال سياسي كبير، لها حاكمها وتمثيلها السياسي الخارجي، على الرغم من ملابسات ظروف ما قبيل أو بعد الحرب العالمية الأولى، التي كانت فيها بلدان خليجية عديدة خاضعة كليًّا للحكم البريطاني المباشر، أو مرتبطة بمعاهدات مفروضة تهدف إلى تقليص حركتهم السياسية المستقبلية، وتحدد اتِّجاهات مسارها على ضوء المتطلبات الاستراتيجية السياسية للدول المستعمرة لها، ولكن هذه المنطقة العربية الحيوية: الأحواز ، والتي يسكنها حوالي عشرة ملايين مواطن أحوازي عربي، باتت تعاني اليوم، وبشكلٍ أشدّ من كل الماضي التاريخي، من رؤية فارسية سياسية مرتكزها الأساس ممارسة سياسية وعنصرية واعية من حيث الهدف والنتائج السياسيتين، قوامها تحركات إدارية استيطانية للأرض واحتلالية للتكوين الاِجتماعي والجغرافيا الوطنية، وتحركات تشريدية للسكان الأصليين، من ناحية، وتوطينية للعنصر الفارسي، ومصادرة الأرض، وتغيير طبيعتها القومية وتجريف الأنهار، ونقل المياه إلى سيستان ورفسنجان وأصفهان، والاستيلاء على كل الخيرات المادية المتوفرة فوق الأرض الأحوازية العربية وفي باطنها أيضًا، من دون تخصيص أية نسبة مئوية لمدخولاتها النقدية للصرف على إعمارها أو الإسهام في تقدمها البشري، وتغييب اللغة العربية عن كل الأطفال العرب ومنعهم من الدراسة بلغتهم الأم، وقتل المواطنين العرب بذريعة كونهم إرهابيين أو سلفيين يخالفون الدستور الإيراني القائم على الرؤية المذهبية”.

يختفي وراء الاحتلال الفارسي الإيراني للأحواز العربية هدف آخر غير التوسع والبحث عن مصادر مالية، وهو الثأر من العنصر العربي الذي هزم الفرس في القادسية، لذلك فإن الاستعمار الفارسي للأحواز تعامل مع الأحوازيين كأنهم أعداء دائمون، يجب أن يدفعوا ثمن ما فعله أجدادهم قبل 1400 سنة.

فالاحتلال الفارسي للأحواز بتواطؤ دولي جاء فعليًّا لتدمير تراث حضاري، وفُرضت ثقافة النظام الإيراني عليه قسريًّا، وأخضعوه لسياساتهم وأهدافهم العدوانية، مع تدمير عادات العرب وتقاليدهم، ومحاولة تغيير لغتهم وأسماء مدنهم وقراهم إلى أسماء فارسية، بهدف إحداث قطيعة بين الأجيال العربية الأحوازية القادمة، وتراثها المعرفي وجذورها وفك ارتباطها بأرضها التي عاشت عليها ما يزيد عن 2000 عام، بل إن عرب الأحواز عاشوا على أرضهم أقدم من الفرس المحتلين.

  1. باقر الصرَّاف وعادل السويدي، هل الخليج: عربي أم فارسي وقضايا أحوازية أُخَر (القاهرة: مكتبة جزيرة الورد، 2012).

 

  1. عافية الفيفي، “الشعر الأحوازي.. ثورة تجابه القمع الفارسي وصرخة في أذن العالم” (صحيفة الرياض، 6 أغسطس 2018).

 

  1. عامر الدليمي، الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي (عمَّان: دار الأكاديميون للنشر، 2020).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).
تشغيل الفيديو

مستهدفًا الهوية العربية

"الأحوازيون" لا يزالون في حالة صمود أمام القمع والقهر الفارسي

شكَّل احتلال عربستان نهايةَ مساراتٍ متتاليةً من محاولات الإخضاع الغربية والفارسية لهذا القُطر العربي، في ظل بيئةٍ استراتيجيةٍ وتحالفٍ موضوعيٍّ جعل من احتلال المنطقة وتقاسم النفوذ مقدماتٍ لتحالفٍ استراتيجيٍّ لا نزال نعيش على ارتداداته إلى يومنا هذا.

ويمكن القول بأن احتلال الأحواز لم يشكل استثناءً في أنماط الاحتلال الأخرى التي عرفتها مجموعة من المناطق الغنية، حيث لجأت الدول الاستعمارية إلى ما يسمى بــ “الاستعمار الاستيطاني”، وهو أخطر أنواع الاستعمار على اعتبار أنه يجتهد في القضاء على المكون الهُوِيَّاتي والعرقي، ومن ثَمَّ مسخ الشخصية الرئيسة للشعوب المُستَعمَرة.

وأمام مقاومة عرب الأحواز للاستعمار الفارسي الذي بدأ سنة (1925)، ومحاولاتهم المتعددة للتحرر، عمد الفرس إلى سن مجموعة من القوانين التي تروم فك الارتباط بين عرب الأحواز وهويتهم القومية العربية، والقضاء على شوكتهم ومقاومتهم، ومن أوائل المطالب التي فرضتها إيران البهلوية على القبائل العربية، وطالبتها بتنفيذها بحذافيرها:

 1-  نزع السلاح وتجريد العشائر منه بصورة كاملة.

 2-  تبديل الزي العربي وارتداء الملابس البهلوية.

 3- رفع يد رؤساء العشائر كافة عن ممتلكاتهم وأراضيهم.

إن التدابير التي اتخذها المستعمر الفارسي تدخل فيما يطلق عليه بــ “أسلوب المحاربة النفسية، وذلك من خلال إهانة كل مظهر عربي واحتقاره وإجبار العرب على التظاهر بالزي والتقاليد واللغة الفارسية المفروضة”. ولم تقف محاولات طمس الهوية العربية عند هذا الحد، بل عمد الفرس إلى “تبديل الأسماء العربية للمدن والقرى والمناطق إلى أسماء فارسية، فأبدلت الناصرية بالأهواز والمحمرة إلى خرمشه…وإقليم الأحواز إلى خوزستان”.

كان الخوف من ثورة العرب في الأحواز من قبل النظام الإيراني؛ دافعًا لتطبيق نهج استبدادي يزيد قسوة عن النهج الذي يطبقه في الحقيقة على أبناء جلدته، فاستخدم الفرس الأسلوب القمعي والبوليسي، ودمروا كل مظاهر الثقافة العربية وأحرقوا أمهات الكتب وصادروا قسمًا آخر منها، وتم التحفظ عليها في العاصمة طهران.

استدامة الفرس في حالة الاحتلال الاستيطاني للأحواز، وفشل جميع الثورات التي حاولت جاهدة الانعتاق منهم، يعود إلى مجموعة عوامل، في مقدمتها أخطاء تكتيكية واستراتيجية، تتمثل في أن جميع الثورات التي قام بها الأحوازيون العرب مثل: ثورة الغلمان، الجويزة، الشيخ حيدر، الفجرية … إلخ؛ فشلت لأنها أخذت شكلاً مركزيًّا خاصًّا، ولم تأخذ بعدًا عربيًّا، بالإضافة إلى الاختراق الذي نجح فيه الفرس في صفوف جميع الثورات العربية بالأحواز، وهذا دون إسقاط عامل الخداع والمناورة الإيرانية، حيث إن “كثيرًا ما تلجأ السلطات العسكرية الإيرانية إلى المراوغة والخداع فتزعم أنها ستعطي مكاسبَ لعرب المنطقة وبعض الحقوق لممارستها إذا رأت أن الثورة قوية وأن بقاءها سيؤدي إلى امتدادها لمناطق أخرى”، من دون أن يتحقق من الوعود الفارسية أي شيء.

منذ اللحظات الأولى لاحتلال الأحواز، ومعاناة الشعب العربي الأحوازي مستمرة لم تنته، لأن المجتمع العربي يرفض الذوبان في الثقافة القهرية الفارسية، لا سيما أن عربستان تتكئ على إرث تاريخي سياسي عميق الجذور، مستقل عن الفرس، لذا ستبقى قضية هذا الإقليم أساسية في الأجندة العربية السياسية، لا سيما مع حالة التسلط العرقي الفارسي على العرب الأحوازيين، الذين ما زالوا يقاتلون حفاظًا على هويتهم العربية، التي بقيت صامدة إلى قرابة قرن حتى يومنا هذا.

الأبعاد العنصرية حاضرة في كل تفاعل فارسي مع كل ما هو عربي.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).