عربستان.. المصير المجهول
تعود جذور شعب الأحواز إلى العديد من القبائل العربية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: “بني كعب”، و”بني طرف”، وقبائل “آل سيد نعمة”، و”بني تميم”، و”آل كثير”، وغيرها من القبائل.
ويتميَّز عرب الأحواز بتاريخهم الأدبي ومخزون فقهي خاص بهم، حيث صدرت لهم العديد من الأعمال المميزة بعد الإسلام في هذا المجال، وكانت النهضة الأدبية الثقافية الأحوازية قد بلغت ذروتها إبان حكم المشعشعين والكعبيين أواخر القرن السابع عشر، وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولا غرابة في ذلك؛ لأن الدكتور جمال زكريا أوضح في كتابه (الخليج العربي.. دراسة لتاريخ الإمارات العربية) عن عربستان – خوزستان – كواحدة من الإمارات العربية في الخليج العربي قائلًا: “لا شك أن فارس قد استفادت من حكام هذه الإمارة -عربستان- في ردِّ غارات الدولة العثمانية على المقاطعات الفارسية الجنوبية في وقت تردَّت فيه الدولة إلى مرحلة كبيرة من الضعف، والثابت أن فارس لم تمارس أي سيطرة فعلية على هذه الإمارة التي ظل يحكمها أمراء من العرب كان آخرهم الشيخ خزعل خان”.
وأكد “أحمد كسروي” في كتابه “تاريخ بانصد سال خوزستان”، أي “تاريخ خوزستان في خمسمائة عام”، أن التاريخ الجيولوجي لأراضي كلٍّ من الأحواز والسهل الرسوبي من العراق متماثل، حيث تكوَّنَا من ترسبات نهرَي دجلة والفرات ونهر كارون وتفرعاته، وهو ما أدَّى إلى ظهور الأراضي على جانبي شط العرب، وكوَّنَت بذلك مع سهول بلاد العراق وحدة قائمة بذاتها لها خواص مناخية متشابهة.
ويؤكد أن العلاقات المكانية الطبيعية التي تربط بين عربستان وإيران تكاد تكون معدومة؛ إذ ليست هناك أي علاقة في التكوين الطبيعي بين سهل عربستان وهضبة إيران الجبلية.
تعدَّدت الثورات الأحوازية في عربستان، وكان الهدف واحد، وهو التحرُّر من الاحتلال الشرس، والذي وقع تحت وطأة أجيال من العرب في الإقليم المنفصل تمامًا عن هضبة إيران الجبلية جغرافيًّا، ولكنه الطغيان، ومنها ثورة الحويزة 1928م، وانتفاضة حيدر بن طلال 1930م، وثورة بني طرف 1936م، وثورة عشيرة كعب الدبيس عام 1940م، وانتفاضة جاسب بن الشيخ خزعل 1943م، ومعركة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل 1944م، وثورة بني طرف 1945م، وثورة الشيخ مذخور الكعبي 1946م، وثورة عشيرة النصار 1946م، وانتفاضة الشيخ يونس العاصي 1949م، وغيرها الكثير.
يبدأ تاريخ انتفاضة الشيخ مذخور الكعبي منذ أيام الحاج (جابر الكعبي) حيث أعلن الشعب العربي الأحوازي ثورته ضد معاهدة أرضروم سنة 1847م إثر تنازل العثمانيين عن عربستان إلى إيران، ودامت الثورة عشر سنوات كان فيها الشعب الأحوازي مناضلًا، رايته الصمود، إلى أن أرغمت شاه إيران سنة 1857م على الإذعان للثورة وإعلان اعترافه بإمارة عربستان إمارة عربية مستقلة، وذلك أثر مُميت لكبرياء الفرس، والعودة لإبادة عرب الأحواز لا محالة عنه ولا بد منه.
جاء الامتداد التاريخي للانتفاضات والثورات على الباطل لإحقاق حق، وكانت ثورة الشيخ مذخور الكعبي سنة 1946م، على أثر ونتيجة للمجزرة التي ارتكبها الفرس التي ذهب ضحيتها مئات من الأحوازيين، ومنهم زعيم حزب السعادة، ويُدعى حداد الذي أحرقه الفرس مع زوجته وأطفاله في بيته.. وكانت ردة فعل تلك الجرائم والمجزرة البشعة أن ثار مذخور الكعبي في منطقة عبادان، وهاجم الحامية الفارسية هناك، ولكن السلطات الفارسية قمعت ثورته بكل عنف وارتكبت مجازر أخرى أبشع منها.
ولم تكن تلك الفاجعة أو الثورة التي تم القضاء عليها بالقوة العسكرية المتفوقة الأخيرة -ولن تكون- سببًا في عدم تفجُّر الثورات والانتفاضات من حين لآخر.
لم ولن تكون تلك المجازر إلا دافعًا لتأسيس جبهات ونضال سيستمر…
الأحواز هي عاصمة إقليم عربستان، وفي التاريخ حكايات أرَّخها أبناؤها.