العرب والفرس

بين العداء والازدراء

منذ العهود القديمة كانت العلاقة بين العرب والفرس علاقة ذات طابع تسوده النظرة الاستعلائية والتسلطية، واحتقار أي عنصر خلاف العنصر الفارسي، ولعل من نصيب العرب أن يكونوا على  الحدود الغربية لبلاد فارس، ذلك ما جعل العرب ضمن ذلك التصنيف العنصري المقيت لدى الفرس القديم والحديث.

فالعرب تعرضوا للاعتداءات الفارسية في صراع طويل مرير وبدوافع متعددة ومختلفة، ونتج عن ذلك انتفاء روح التفاهم والالتقاء بينهم، فسيادة العنف والقوة كانت مؤثرة على العرب، والتاريخ القديم مليء بالشواهد الكثيرة، من شن الحملات العسكرية الوحشية عليهم لاحتلال أجزاء من  المنطقة العربية بشتى الوسائل، وإخضاعها سياسيًّا لحكم الإمبراطورية الفارسية من خلال فرض القوة والبطش والتهديد المستمر بالغزو، وهي صورة من صور التنمر الفارسي ضد العرب، أو من خلال نشر المعتقدات الدينية المنحرفة كالمجوسية وغيرها من المعتقدات التي كان  العربي يأنف من اتباعها.

والواقع أن طبيعة العلاقة بين الفرس وجيرانهم على الحدود الغربية، سواء من العرب وغيرهم، خاصة في بلاد الرافدين قد اتسمت بالعداوة أكثر مما اتسمت بالصداقة، واتسمت بعلاقة القوي على حساب الضعيف، وكانت الحرب سجالًا بين الطرفين، وكانت أرض العراق -بسبب حدوده البرية الطويلة مع بلاد فارس- مسرحًا لذلك الصراع الذي اتخذ طابعًا مختلفًا في كل فترة كالصراع السياسي الذي تمثل في عمليات الغزو للسيطرة على النفوذ، وموارد الثروة بالقوة والبطش.

ولعل من ينظر إلى ما تضمنه موقع تخت جمشيد (عرش جمشيد) أو “برسبوليس” أي المدينة الفارسية، وهي عاصمة الإمبراطورية الأخمينية (550-330ق.م) التي تبعد حوالي 70كم شمال شرق مدينة شيراز في محافظة فارس الحالية، ويُدعى هذا الموقع عند الفرس القدامى باسم پارسه، وهي تعني “مدينة الفرس”، وتخت جمشيد يحمل في مضامينه صورا رمزية تظهر تبعية الشعوب في ظل الحكم الفارسي، وهو خير شاهد على تلك العلاقة بين الفرس والشعوب المقهورة.

إن النظرة الاستعلائية واحتقار العنصر العربي، ما زالت تعشعش في مخيلة العقلية الفارسية حتى وقتنا الحاضر، رغم دخول جزء كبير منهم في الإسلام بعد الفتح العربي لبلاد فارس، إلا أن تلك النظرة أصبحت مدعومة بعنصرين اثنين أولهما؛ التعصب العنصري للجنس الفارسي وثانيها؛ الحقد المتراكم عبر العصور بعد معركة القادسية التي أسقطت الأصنام وأطفأت النار المجوسية إلى الأبد.

 وكلنا يعلم أنه عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم للفرس رسالة دعوة للحق فمزقها كسرى، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يُمزِّق الله مُلكْه، فكان آخر الأكاسرة وفُتحَت العراق وهي تحت ولايتهم آنذاك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكان جيش المسلمين بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، -مع أن الفارق كبير بين جيش المسلمين وجيش الفرس في العدد والعتاد- إلا أن الفرس انهزموا في القادسية هزيمة نكراء؛ حيث دُق بتلك الهزيمة آخر مسمار في عرش الحكم الفارسي المجوسي فلم تقم لهم بعدها قائمة، فأخذ الفرس يعتدون ويحقدون على العرب المسلمين بمؤامرة قتل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على يد أبي لؤلؤة المجوسي.

واستمر ذلك الحقد ولم يزل  ولعل اللقاء مع المفكّر الإيراني البارز والأستاذ بجامعة طهران “صادق زيبا” الذي صرح بما يجول في صدور معظم الفرس وذلك خلال مقابلتين أجراهما أخيراً مع صحف أسبوعية إيرانية عن نظرة الإيرانيين الفرس تجاه العرب والشعوب الأخرى بشكل عام وإزاء القوميات غير الفارسية في بلاده بشكل خاص، مبينًا جوانب النظرة الدونية والاستعلائية من الفرس لغيرهم، وخاصة العرب وازدرائهم، وصرح معتقدًا أن الكثير من الإيرانيين يكرهون العرب، ولا فرق بين المتدين وغير المتدين في هذا المجال وأرجع ذلك إلى أسباب تاريخية بعيدة ؟!!.