مذابح آشورية كردية بمباركة عثمانية

الآشوريون طائفة منعزلة في منطقة هكاريا وهي جزء من أرمينيا كانت ملاذاً للقبائل الرُحَّل، وهي منطقة تفصل بين الساميين في الجنوب والأرمن الذين ينتسبون إلى الجنس الآري في الشمال، وهو إقليم تكثر فيه الجبال معزولة عن المناطق حولها طبيعيًّا.

لقد حققت تلك الطائفة استقلالاً عن أي سلطة، وانقطعت عن العالم، وفي زمن الدولة العثمانية مرّ موظف عثماني في سنة 1251هـ/1835م منتقلاً من الموصل إلى إستانبول في مهمة إدارية عبر طريق ديار بكر، وسلك مسلكًا غير معتاد، فدُهش هذا الموظف عندما وجد أناسًا في مناطق منعزلة تمامًا، واستغربوه كثيرًا، لأنه يسلك مسالك وعرة لم يتوقع أن يرى فيها سكان، وقد تركوه يمر ولم يؤذوه، ورغم أنه ذكر لهم أنه مسلم وأنه موظف لدى السلطة العثمانية ومع ذلك لم يشعر أنهم فهموا شيئًا.

وعند وصول الموظف إلى مدينة (وان) قال له واليها بعد أن سأله الموظف عن تلك المنطقة الغريبة من مدينته، ذكر له أنه لم ير قط إنسانًا ينزل من جبال تلك المنطقة من سهول آشور في الجنوب من أرمينيا حيث كانت محطة للقبائل الآشورية وكانوا نصارى لا يُعرف لهم مذهب معين ممتنعين في الجبال منذ أقدم العصور.

يذكر عبدالعزيز الشناوي في كتابه (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها): إن العلاقات الآشورية بجيرانهم الأكراد علاقة عداء مستحكم، وهنا يُلاحظ وصفه بمدى احتداد وشدة العداء.

وأن المذابح كثيرًا ما تقع بينهم وذلك بسبب الاختلاف العقدي والتعصب كلاً لدينه. ناهيك عن العناد الذي تميز به الطرفان. وكان السبب الأعظم هو الوجود الكردي غرب منطقة هكاريا موطن الآشوريين، وكان ذلك التقارب سببًا في تلك المذابح!!

ويؤكد بأن الدولة العثمانية لم تحرك ساكنًا تجاه تلك المذابح، رغم أنها اعتبرت نفسها حامية للطوائف وتعددها داخل الدولة ورعايتهم، وكانت أكثرها حدة طيلة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويحدد تواريخ مهمة من خلال المصادر، وهي بخاصة في 1812، 1843، 1845م، وآخرها زمن العثمانيين في 1908م، قام الأكراد بهجوم واسع عليهم.

والملفت للانتباه أن التنصير الذي قدم إلى الدولة العثمانية سمح لهم أن يتصلوا بالآشوريين، فازداد الانشقاق بينهم، وترك العثمانيون الهوة تتعمق أكثر بدلاً من أن يتدخلوا بصفتهم حماة لهم لفض النزاع وذبح الأبرياء دون وجه حق، وهنا يوضح الشناوي حقيقة غُيِّبَت في كتب التاريخ وتمر مرورًا غير منصف بأن الدولة العثمانية: “السيادة العثمانية ارتاحت للمذابح والخسائر التي يوقعها الأكراد بالآشوريين؛ لأنها كانت تشعر أن الأخيرين يتعاطفان مع الروسيا وبريطانيا وفرنسا؛ بفضل الدعاية التي كانت تنشرها هذه الدول في أوساطهم….. وكان من عيوب الدولة هذا الموقف، سواء من قتل الآشوريين أو تقاعسها عن كسب رأي عام يقف إلى جانبها في حالة الصراع الحربي المرتقب”.

لذلك أشغلت الدولة العثمانية الأكراد بالآشوريين وغضت الطرف لكسب مصالحها التوسعية، وعدم الدخول في أي مصادمات عسكرية تكلفها الكثير من الدول الأوروبية، بل كانت تمنح الامتيازات وتسترضيهم.

ولم يكن حال الأكراد بخير في عهد الجمهورية التركية الحديثة، إذ إن غدر مصطفى كمال أتاتورك بالكرد واستغلالهم كان مكملاً لمن سبقوه، بعد أن استفاد منهم في حرب الاستقلال وتحرير تركيا، فيكتفي إيلبير أورتايلي في كتابه “أتاتورك” بالتشكيك في أن يكون مصطفى كمال قد وعد الكرد بحكم ذاتي في سنوات الحرب، ويستدرك بالقول: “لا يمكن قبول العبارات العامة على أنها وعود جدّية”. وهذه سياسة المراوغة التي تجلب المصالح على حساب شعوب لا حول لها ولا قوة، وتلك مسؤوليتهم أيضًا.