" التطلُّع البحريني للاستقلال.. كبح طموح الشاه البهلوي"
البحرين.. تلك الجزيرة الوادعة في قلب الخليج العربي، بل في قلوب قادة وشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقديمًا كانت أحد أهم مراكز تجارة اللؤلؤ وملتقى للتجار من مختلف المناطق العربية، ومن يرجع قليلًا وينظر في صفحات التاريخ يجد أن إيران جارة السوء قد أثارت تبعية البحرين لها أول مرة في سنة 1927م، لدى عصبة الأمم، وحُجَّتها في ذلك أنها “كانت تسيطر على البحرين في معظم عصور التاريخ”، زورًا وبهتانًا، ومحاولة في قلب الحقائق التاريخية، والجميع يعلم جيدًا أن الاستعمار البريطاني كانت له السيطرة القوية على الخليج العربي، ومن ضمنها جزيرة البحرين، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية توجَّهت إيران إلى بريطانيا مطالِبةً بفرض السيادة الإيرانية على البحرين، وفي نهاية سنة 1945م طالبت إيران -وبكل وقاحة- من الولايات المتحدة الامتناع عن التنقيب عن البترول في البحرين، مستغلًّا شاه إيران التنافس الاستعماري الذي بدأ يلوح في الأفق بين بريطانيا والقوة الأمريكية الصاعدة.
وظلت طهران البهلوية تكرِّر ادِّعاءاتها بتبعية البحرين، بل وأدرجت ذلك في مناهج التعليم منذ سنة 1946م، ورفضت التعامل مع جوازات السفر البحرينية، وحتى مع طوابع البريد البحرينية؛ إمعانًا في تأصيل تلك الفكرة المكذوبة والمخالِفة للحقيقة التاريخية، وقد شهدت سنة 1957م تصعيدًا جديدًا من إيران بإعلان مجلس الوزراء الإيراني قراره ضم البحرين، وهي الفترة الزمنية التي شهدت احتجاجات جماهيرية في دول المشرق العربي على مشروع إيزنهاور بملء الفراغ “الاستعماري البريطاني والفرنسي”، وذلك بالتعاون مع الشاه الإيراني، فإيران كانت تتحيَّن الفرص والظروف السياسية المواتية لتحقيق أطماعها بملء “الفراغ” في البحرين، ما إن يستعِدَّ الانتداب البريطاني لمغادرة البحرين العربية، وفي سنة 1965م بدأت إيران وبريطانيا محادثات حول حدود الدولة الإيرانية في الخليج العربي، وكانت المحادثات تفشل بسبب الخلاف حول البحرين التي أرادت إيران ضمها إليها.
القصة بدأت حين أعلنت بريطانيا انسحابها من شرق السويس في ١٩٦٨م، حينها كانت السلطة البحرينية قلِقة من المستقبل بالنظر إلى المطالبات الإيرانية بتبعية البحرين لها، وقبل أن ينقضي عقد الستينيات ثارت عاصفة دبلوماسية في نهايته في سنة 1969م، فمع التحضيرات لانتهاء حقبة الانتداب البريطاني، وتهيُّؤ البلاد لإعلان استقلالها، اعترضت حكومة الشاه البهلوي، وادَّعت أن الاستقلال يخالف رغبات البحرينيين! علمًا بأنه جرت في عام 1965م انتفاضة بحرينية شعبية واسعة ضد الانتداب البريطاني، مطالبة بالاستقلال، وقد جرت مداولات بريطانية إيرانية بحرينية في الأمم المتحدة، انتهت إلى قبول مبدأ تقرير المصير، وتقدمت إيران وبريطانيا بطلب إلى الأمين العام آنذاك “يو ثانت”، بإرسال لجنة لتقصِّي الحقائق؛ لمعرفة تطلعات البحرينيين، انتهت بعدما أجرت استفتاءً في عام 1970م إلى الإقرار برغبة البحرينيين في الاستقلال، وجاء صدور قرار مجلس الأمن في 11 مايو/ أيار 1970م، ليقضي بحق شعب البحرين في الانتماء لدولة مستقلة ذات سيادة، وأفضت هذه التطورات إلى إعلان استقلال البحرين في 15 أغسطس/آب 1971م.
والسؤال هنا: هل أتت مسألة السردية الفارسية بحقوقهم بالبحرين؟ فقد عارضت إيران البهلوية استقلالها عن بريطانيا عام 1971م، ورفضت نتائج الاستفتاء في البداية، ولكن في النهاية سلّم الشاه محمد رضا بهلوي بهذه النتيجة، وطُوِيَت صفحات من تاريخ الطموحات التوسُّعية الإيرانية، وشهدت حقبة السبعينيات مرحلة من الهدوء بين البلدين، حيث استعاض حُكم الشاه عن المطامح التوسعية بالنفوذ السياسي والأمني الواسع، إضافةً إلى التعاون الاقتصادي، والذي أدَّى، في حينه، إلى إطلاق لقب شرطي الخليج على إيران الشاه، ومن ينظر في ذلك الأمر يجد أن الشعب البحريني بقيادته وأعيانه والمثقفين وعامة الناس كانوا هم الرقم الصعب وصمام الأمان للبحرين الذي حفظها من الأطماع الإيرانية التوسعية حتى يومنا هذا.