ولأنه يوم من أيام العرب

" ذي قار"

يحظى موقع ذي قار في العراق التي تتميز بوجود البعثات التنقيبية الأجنبية في عدة مواقع تراثية منتشرة فيه، وقد تكشف الأيام آثارًا تعود إلى حقبة أحداث موقعة ذي قار الشهيرة بين العرب والفرس. يوم تكاتف العرب فكانت ضربة صارخة ضد جنون كسرى وجبروته الذي كان يظن أنه لا يُقهر.

عندما رَفض ملك الحيرة النعمان بن المنذر تزويج ابنته لكسرى إذ رد طلبه، وتتالت مؤشرات التمرد من النعمان وكسر قيود الانصياع لكسرى وطغيانه في كل تعاملاته مع العرب، أصبح الأخير يتخبط في مراسلاته بأوامر صارخة تدعو إلى الخيانة والغدر؛ من أجل إرضاء غروره وتحقيق نظرته الاستعلائية ضد العرق العربي، ومن ذلك عزل النعمان وتولية من يظهر له الولاء وإن كان المقابل الغدر بأقرب الأقربين.

جاء التهديد الصريح بحرب تهز العرب وتمحو وجودهم إن لم يرسل هانئ بن مسعود كل ما استودعه عنده النعمان من أموال وودائع من ضمنها نساؤه وكل ما يتبع ذلك من أمانات، قبل رحيله لملاقاة كسرى وكان مصيره القتل لخيانة الرسول الذي كان بينهما بعد أن أُعطي النعمان العهد بألا يصيبه مكروه. ولكن الخيانات لم تسر على ما كان يشتهي كسرى وجاءت الضربات المتتالية من العرب في وحدة قوتهم، وكان رد كسرى بتوجيه جيش عبأه بما يمتلكه من أسلحة ومصاحبة الفيلة لإرهاب العرب بقوة اعتقد أنها تهزهم كما سولت له نفسه، وكانت مفاجأة التخطيط بأن يتم استدراج جيش كسرى إلى موقع ينعزل فيه عن أي إمدادات أو ما يساعد على صموده فكان عزلهم عن مصادر المياه عمل انزلق فيه جيش كسرى في منزلق شر أعمالهم ونواياهم .

كان جيش كسرى تتساقط جنوده كتساقط الجراد على النار عطشًا ولا قوة لديهم غير ما يصحبونه معهم من عتاد، واتخذوا من ضخامة الفيلة عاملاً يساعد على تدمير نفسية الطرف المقابل.

لم تكن النتائج ومتابعة الأحداث من جانب كسرى وجنون العظمة لديه مرضية على الإطلاق، بل وصل به الأمر أن يعاقب كل من أتاه بأخبار سيئة عن سير المعركة، وذلك خلق رعباً في كل من كان حوله؛ لأنه سيلقى مصيرًا أقله التمثيل به كقطع الأيدي .

لم يتمكن كسرى بعد هزيمته أن يعيد الثقة بينه وبين المناذرة، وحاول بطرق ملتوية استرضاءهم حتى يجعلهم ألعوبةً أخرى لكن الواقع تبدل، وكان الإسلام الذي انطلق به العرب خير رد على الأكاسرة وأباطرتهم .

ورغم أن القوة الفارسية التي اشتبكت في القتال لم تكن كبيرة؛ لكن كسرى حشد ما اعتقد بأنه يكسر به شوكة كادت أن تظهر، فأراد بتصوره أن يقتلعها ويعود العرب إلى الرضوخ ومصانعتهم كيفما يشاء، لكن ذي قار لها أهميتها البالغة، فهي أول اصطدام مسلح مباشر بين العرب والفرس، وهي أول معركة انتصرت فيها القبائل العربية على الجيش الفارسي؛ مما أعطاهم الثقة بأنفسهم، وصنع ذلك النصر جرأة في صدور العرب من القبائل الأخرى على الهجوم المباشر على بلاد الساسانيين، وكانت بمنزلة حركة استطلاعية ومقدمة للفتوح الإسلامية التي اكتسحت امبراطورية الساسانيين.