بين الضرورة والمصلحة

التحالفات الخفية للترك والفرس ضد العرب

الفرس والأتراك.. تحالُف ضرورة أم تَحالُف مصالح

هل التحالف التركي الإيراني تحالُف ضرورة يمكن له أن ينتهي بانتهاء الضرورات السياسية والأمنية التي أدَّت إليه كما يتصور بعض المراقبين؟

الأكيد أنه لن ينتهي التحالف التركي الإيراني إلا بانتهاء الثقافة العربية وتحجيمها، وإعادتها إلى ما قبل ألفَي عام، هذا أمر لا مبالغة فيه، فكل المؤشرات على الأرض تقول: إن هدف الأتراك والفرس هو القضاء على العرب ثقافةً وتاريخًا وإسلامًا عربيًّا.

إنها قراءة في تفاصيل متطرفة لعلاقة أزلية بين العرب والعجم، تطرُّف الجانب الأعجمي ممن يعيشون على تخوم العرب، بل إن الأحداث التي شهدتها المنطقة بين الفرس والعرب لأكثر من ألفَي عام، والعرب والأتراك لأكثر من ألف عام، تؤكد ذلك، حروب ومحاولات احتلال، بل واحتلال فعلي للأراضي يصاحبه احتلال مذهبي وثقافي.

التاريخ لا يكذب:

تاريخ هذه المنطقة الممتدة من خرسان شرقًا الى إسطنبول غربًا، ومن أرمينيا شمالًا إلى الصومال جنوبًا، يؤكد أن التنافس والتنافر الثقافي والعلمي والإعلامي، وأخيرًا السياسي، لا يدفع ثمنه الغالي إلا العرب، وفي هذا الإطار تَشكَّل التحالف التركي الإيراني بهدف تعظيم الثقافتين التركية والإيرانية على حساب العربية، حتى لو أدَّى ذلك لهدم كل ما هو عربي؛ إنسانًا كان أو حجرًا، ولعل حادثة سفر برلك التي قام بها فخري باشا بمحاولة سرقة الجسد الطاهر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، يُقابِلها تحالف الصفويين الفرس مع البرتغاليين لتدمير مكة والمدينة؛ خير دليل على محاولاتهم التجريف الثقافي للعرب.

المشروعان الفارسي والإيراني يرى أن العرب لا يستحقون الإسلام ولا النبي ولا الأماكن المقدسة، والإيرانيون الصفويون حاولوا تغيير ثقافة الإسلام التي لا تضع مقدسًا غير مكة والمدينة والمشاعر –منى وعرفات ومزدلفة- من خلال بناء مراقد مقدسة في إيران والعراق -التي يعبرونها منطقة نفوذ عقدي وتاريخي-، وحوَّلُوها إلى محَجٍّ، والأتراك فعلوا شبيهًا بذلك بسرقة النفائس النبوية وترحيلها الى إسطنبول، إضافة إلى سرقة أجزاء من الحجر الأسود ووضعها على قبور السلاطين وبعض الجوامع، كما حاولوا نقل جسد النبي؛ لأن فكرة تحويل المقدس من جزيرة العرب إلى بلادهم هي ما يُحرِّك المخططات والسياسات.

يقول الدكتور عبد الحفيظ محبوب في كتابه (الدور السعودي في مواجهة النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة): “تتعرض المنطقة العربية اليوم إلى تفتيت وتجزئة الإسلام من دين أممي إلى طوائف ومذاهب تحت تأثير عنصري إقليمي بقيادة إيران”.

في المقابل يوجد أيضًا دور تركي يحاول تفتيت المنطقة واختطافها بالتعاون مع إيران، وتبادل الأدوار، وأحيانًا تبادل الاتهامات المتفق عليها واقتسام النتائج، فالظاهر أنهما عدوتان لدودتان، ولكن في واقع الشواهد التاريخية تبيَّن ما يُكِنُّه كلا الطرفين لبعضهما من الاحترام والود، المبني على الإرث التاريخي الذي يسوقانه ويعتبرانه متفوقًا على التراث العربي.

العلاقة التاريخية بين السلاطين العثمانيين والصفويين:

رغم التنافس بين الفرس والترك، إلا أنه لم يكن تنافرًا أو إلغاء وجود، بل كانت العلاقة بينهما تقوم على الاحترام، والحفاظ على المساحات، واقتسام المنطقة العربية، دون اقتلاع لأي منهما، وحتى الصدامات التي حصلت كانت جراحية ومحدودة.

ويمكن فهم العلاقة أكثر من خلال المراسلات التي حصلت بين السلاطين العثمانيين والصفويين، فعبارات التبجيل والتقدير تفوق درجة المجاملات السياسية، بل تدل على علاقة وتفاهم وشراكة وتقدير فيما بينهما، هذه العلاقة لم تَمُت باختفاء الصفويين، هم مجرد مرحلة سياسية، بينما بقيت العلاقة التاريخية والوجدانية بين الجنسين التركي والفارسي وثيقة، وستبقى؛ لأنهما يعتبران أنفسهما جارَين تاريخيًّا، ويعتبرون العرب مجرد متطفلين على المنطقة، بينما التاريخ والجغرافيا يقولان العكس.

اشغلتا إيران وتركيا العرب بالتوتر وشَقِّ الصف والضغط السياسي.

العلاقة الثقافية بين الفرس والأتراك:

لا يمكن وصف التقارب الثقافي والعلمي والإعلامي والزيارات المتبادلة بين الدولتين –التركية والفارسية- على كافة المستويات والأصعدة بأنها مجرد مبادرات فردية بين مؤسسات، بل هي أعمق من ذلك، تغوص عميقًا في التنسيق والترتيب والإعداد والتخطيط، وحتى التنفيذ المشترك؛ لذا يقول الدكتور حيدر عبد الجليل جويد الحربية في كتابه (أثر الاتفاقيات والمعاهدات بين الدولتين العثمانية والفارسية على الجالية الفارسية في العراق: “مرَّت العلاقات بين الدولة العثمانية والأنظمة التي تعاقبت على حكم بلاد فارس بمراحل متعددة من التشنج حتى الصلح والسلام والهدوء”.

اتفاقية مُذِلَّة للعثمانيين مع الفرس:

هذه الاتفاقية لا يمكن وصفها إلا بالمُذِلَّة، فقد أعطت للإيرانيين الذين يعيشون في العراق الذي يخضع للاحتلال العثماني مميزات لم يحصل عليها العرب من السكان الأصليين، لكنها تؤكد كيف ينظر الفرس والعثمانيون الأتراك لبعضهم، وكيف ينظرون للعرب؛ لهذا جامل السلاطين العثمانيون أمثالهم في إيران على حساب العرب كما هي العادة دائمًا، ولعلنا نُورِد هنا هذه الاتفاقية كمثال على ذلك:

في العام (1875) وُقِّعَت معاهدة واتفاق بين الدولتين –العثمانية والفارسية- اعترف فيها العثمانيون بوضع خاص للقناصل والأفراد التابعين للدولة الإيرانية، على أن تشتمل الامتيازات نفسها التي يتمتع بها نظراؤهم الأوروبيون، كما أكَّدَت على سلطة قناصل الدولة القاجارية –الإيرانية- وحدهم على رعايا بلدهم، وفي قضايا القانون المدني والجنائي والميراث، وفي حالة خرق القانون، وكذلك في القضايا المدنية والتجارية المختلطة فإن سلطات معينة من حيث توفير المعونة والحماية في الإجراءات القانونية قد حُفِظت للممثلين القنصليين القاجاريين الإيرانيين، كما ثبَّتَت الاتفاقية إعفاء رعايا الدولة القاجارية من الضرائب التي يخضع لها الرعايا العثمانيون، ومنهم بلا شك العرب أصحاب الأرض في العراق.

لقد كان استعداد العثمانيين لمنح الجالية القاجارية الإيرانية في العراق مثل هذا الوضع الفريد يعكس سيطرة إسطنبول الناقصة على البلاد، ومحاولتها تجنُّب اندلاع حرب محتملة مع بلاد فـارس.

التحالف مستمر ضد العرب.

يقول موقع الحرة في وصفه للتحالف الإيراني التركي: “عارضت إيران وتركيا أي تقارب للدول العربية مع إسرائيل، بزعم الدفاع عن القضية الفلسطينية في العلن، لكن الهدف غير المعلن يبقى تحويل الاهتمام عن إستراتيجية أخرى تخوضها أنقرة وطهران للتوسع والتوغل في البلدان العربية”.

وبالرغم من أن كثيرًا من الدول العربية ليس لديها اهتمام بالتقارب مع إسرائيل، إلا أن تلك التهمة جاهزة لإشغال العرب وتوتيرهم وشق العلاقة مع شعوبه، إنها سياسية مشتركة تركية إيرانية تستخدم “إسرائيل” للضغط على العرب.

  1. عبد الحفيظ محبوب، الدور السعودي في مواجهة النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة (لندن: Kutub، 2020).

 

  1. حيدر الحربية، أثر الاتفاقيات والمعاهدات بين الدولتين العثمانية والفارسية على الجالية الفارسية في المدن المقدسة في العراق 1875 -1501، مجلة كلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة ذي قار، بغداد.