التحالف الفارسي الأوروبي الكلاسيكي

يُفسِّر سر التمادي الإيراني المعاصر

أصرَّ ملوك فارس منذ انسلاخهم عن العقيدة الإسلامية بعد تأسيس الدولة الصفوية على تبني التطرف، وتطويع وتوجيه العواطف الدينية بما يخدم الأهداف العِرقية للفرس، وفي هذه السياسة الصفوية مخادعة واضحة للمسلمين، حيث ينطبق عليهم مقولة الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن: “يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت”.

مثَّلَت الدولة الصفوية خنجرًا خبيثًا في خاصرة الإسلام، حيث “عملت على هدم الإسلام عقيدة ودولة، وكانت عائقًا في تحقيق وحدة المسلمين وقوتهم”، واجتهدت في الكيد بالناس ودينهم، مقابل تقوية علاقتها مع الدول المسيحية، والبحث عن تحالفات قوية لاستهداف المنطقة العربية، والانتقام لسقوط الإمبراطورية الساسانية الوثنية على أيدي سيوف المسلمين العرب.

دفع الحقد الصفوي حكام فارس إلى الاجتهاد في محاربة المشرق العربي، وهو ما أدى إلى الصدام السياسي الذي أحدث شرخًا وجرحًا أدى إلى “الانقسام والتحارب انطلاقًا من الاختلاف حول المذهب، والثاني الذي لا يقل أهميةً تمثَّل في أن الاحتراب أضعفَ الطرفين ويسَّر للاستعمار الغربي سبل السيطرة على كثير من الدول الإسلامية والتدخل في شؤونها، وساهم في إيجاد العديد من المشكلات التي لا يزال بعضها قائمًا حتى الوقت الراهن، فيما صار يُعرف لاحقًا بمشكلات الشرق الأوسط”.

ولقد كانت معركة جالديران منعطفًا حاسمًا في توجُّه الفرس نحو تقوية تحالفهم مع الغرب الصليبي حين تحاربوا مع العثمانيين، الذين كانوا يهدفون للأمر نفسه في السعي للسيطرة واستعمار العالم العربي، والتي انتهت بهزيمة الصفويين وعجَّلت بهلاك الشاه إسماعيل الصفوي عن عمرٍ لا يتجاوز 38 سنة، ولعل هذه الهزيمة العسكرية كانت وراء اقتناع الفرس بضرورة الاستنجاد بحليفهم المسيحي ضد العدو؛ الدولة العثمانية، التي تقاسَمَها المشروع نفسه في النفوذ والسيطرة، كذلك العدو الأزلي ممثلًا في العرب المسلمين.

الصفويون لم يكتفوا بفتح جبهات المواجهة العسكرية فقط، بل اجتهدوا في تطويع النص الديني لضرب رموز الأمة الإسلامية ورُكنهم الركين، وذلك بالموازاة مع تلميع المسيحية وتقديمها كديانة مسالمة ومهادنة، والتمهيد الشرعي لتحالفات عسكرية مرتقَبة ضد العالم العربي، إن الاطلاع على أمهات الكتب الدينية الصفوية التي حادت عن صفاء العقيدة، ونَحَتْ في اتجاه تقديس التوجه السياسي- العرقي للفرس، يقطع بأن “شيطنة” رموز الإسلام تحوَّل إلى عقيدة دينية يتعبَّد بها كلُّ مَن وقع ضحية “البروباغندا” الصفوية، ولعل مجرد إطلالة على ما كتبه الكُليني في “الكافي”، والطوسي في “الاستبصار”، وابن بابيوه القمِّي في “مَن لا يحضره الفقيه”، يقع عنده اليقين بأن هذه السموم الفكرية والمخلفات الإرهابية ما هي إلا تصريف لعقيدة الحقد والكراهية ضد العرب المسلمين؛ لأن ضرب العقيدة ينطلق من استهداف الرجال الذين حملوا أمانة تبليغ رسالة الرسول الكريم، والذين شهد لهم المولى عز وجل بالوفاء والصدق والاستقامة، وبأنهم ممن بايعوا الله وأخلصوا البيعة وأدوا الأمانة واستحقوا البشرى بالجنة.

الصفويون كانوا سبَّاقين إلى تغيير وجهة السيرورة الإسلامية، وكانوا أول عِرق يدَّعي الانتساب إلى الإسلام، وفي الوقت نفسه يجتهدون في ضربه بالبدع الخبيثة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين، وبذلك سارت الدولة الصفوي “في توجهاتها، في اتجاه معاكس لمسيرة تاريخ الأمة، ويأتي ذلك بسبب قيامها على أسس منحرفة … كما أن جل جهودها العسكرية وعلاقاتها السياسية موجَّهة لضرب الأمة من داخلها”. 

ورغم التقية السياسية التي مارسها الفرس في فترات ضعفهم، وتخلِّي “الشاه عباس عن علويته المتطرفة في رسائل للعثمانيين”.. حين “بدأ يستهلُّها بالسلام على الخلفاء الراشدين الأربعة”، إلا أن حقيقة المعتقد الفاسد تقطع بأن الصفويين كانوا يجتهدون في تأليب الرأي العام على رموز المسلمين من أجل شرعنة عدائهم للعثمانيين أولًا، ثم الاستعداد للانقضاض على مركز الأمة الإسلامية ممثلًا في الحرمين الشريفين.

قاد الصفويون حربًا سياسية وفكرية ودينية ضد المسلمين العرب.

إن واقع العلاقات الدولية اليوم يؤكد أن إيران الصفوية أظهرت مرونة كبيرة في ربط تحالفات كلاسيكية مع الغرب، وذلك رغم ادِّعاء العداء لأمريكا، ورفع شعارات الهلاك والموت لإسرائيل، ولعل ما يقع في المنطقة العربية من تمكين لإيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان بمباركة غربية، يقطع بأن الملالي كانوا دائمًا في قلب المشروع الغربي في المنطقة.

ويمكن القول، إجمالًا، بأن الحذر العربي من الخطر الإيراني، وإن كان حاليًّا حقيقة واقعة، إلا أن مَن يحرك خيوط اللعبة في الغرف المظلمة ومن وراء جُدُر هي قوى لا تختلف في عدائها وكيدها للأمة العربية والإسلامية عن إيران مهما حاولت تجميل أهدافها الخبيثة بمساحيق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالي فإن خصم العرب والمسلمين ليس -ولم يكن يومًا- إيران وحدها.   

  1. باسم حمزة، “سياسة إيران العسكرية والمذهبية والداخلية وأثرها على السياسة الخارجية في عهد الشاه إسماعيل الصفوي 1501-1524″، مجلة الدراسات الإيرانية، جامعة البصرة، ع 10-11 (2009).

 

  1. فهمي هويدي، “التاريخ والدين في العلاقة بين العرب وإيران”، دراسة نُشرت على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2011).

 

  1. محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة الصفوية في إيران (بيروت: دار النفائس، 2009).

 

  1. هيثم الكسواني، الدولة الصفوية وأثرها على العالم الإسلامي، ط2 (سلسلة كتاب منارات، 2008).