القائد حسين بك ومذبحة أهالي الدرعية

كان قدوم الإمام تركي بن عبدالله إلى الدرعية، مبشرًا بالخير والاستقرار من جديد، فالتف حوله عدد كبير من رجال الحاضرة والبادية في سنة 1235هـ/1819م، واستتب أمر بعودته، ووصلت فرقة تركية إلى القصيم في سنة 1236هـ/1820م بقيادة حسين بك، وعدد كبير من الجنود المرتزقة لمحاولة التمكّن من احتلال نجد لمنع الحكم السعودي أن يعود مجددًا، فتقدم إلى بلدة ثرمداء بالوشم، وكانت قاعدة لانطلاقهم ولممارسة أنشطتهم الإجرامية، وأصدر أوامره لعبوش آغا بالزحف والتقدم صوب الرياض.

 فوجئ الإمام تركي بتلك الفرقة والجنود ذوي الجاهزية، واستطاع برجاله أن يتراجعوا متقهقرين، بينما استعد الإمام تركي بن عبدالله للمواجهة والمقاومة، ولكن كان الحصار شديدًا على القصر بعد ذلك، ومع ذلك استطاع الإمام الخروج دون علم الأعداء المتربصين، وكان البطش سيّد الموقف إذ قتل الجيش التركي كل من وقع تحت طائلتهم إلا عمر بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود وأولاده الثلاثة أرسلهم إلى مصر .

لم تقف الأحداث عند هذا الحد، وهنا تأتي الوحشية والغدر ممن وعد أن يؤمن الناس على أنفسهم، وذلك بعد أن أمر حسين بك بإخلاء الدرعية من أهلها – ومشاهد التهجير تتكرر- طلب منهم الرحيل إلى ثرمداء، ولما عاد إلى مركز نشاطه وتمركزه أعلن أن يُنادى في الأهالي بأن من أراد العودة أو الانتقال إلى أي بلد يرغب فليأته لمنحه تصريح المغادرة والتنقل، واجتمع ما يقرب من مائتين وثلاثين رجلاً .

لقد كان المكر للقضاء على كل من يوالي أئمة الدولة السعودية أو يحاول العودة إلى حكمها ، أولئك لهم نية مبيتة، ولما تأكد من عدم وجود غيرهم ممن رغب في الانتقال والذهاب حيث يشاء وبصحبته من يشاء، جاءت لحظة الغدر مارقة بعد أن أمر جنوده بإطلاق النار عليهم، ولم يبقِ منهم أحدًا وأخذ أموالهم، وأصبحت النساء ثكلى وأطفالهن يتامى.

بعد تلك المذبحة الغادرة، والفجيعة التي حلت بالبلاد والعباد، وزع جنده في البلدان المحيطة، وخاصة الكبيرة مثل القصيم والوشم وسدير والمحمل، وجاءت الفرصة سانحة للمرتزقة أن يعيثوا في الأرض فسادًا في بلدان نجد، وكان ديدنهم متنوع بين أعمال القتل والسلب والتعذيب، وقد كان وصف المؤرخين لتلك الحوادث بأنها تقشعر منها الأبدان .

غادر حسين بك نجد مغادرة من لا يعود في شهر رمضان المعظم، ولكنه ترك أذنابه كحسن بك المعروف بأبي طاهر وأبي علي البهلولي وموسى الكاشف وإبراهيم الكاشف ومحمد آغا، يفسدون ويبثون الفوضى بين أهل البلدان إلى سنة 1238هـ/1822م.

تلك الأحداث والمذابح البشرية كفيلة بأن تزعزع الأمن وتعمل على انعدامه، لقد وصف أحد المؤرخين تلك الحال بقوله: “إن انتشار أمثال هؤلاء الأشرار في أراضي نجد، يستطيع كل عاقل أن يتصور حال الأرض التي تمتحن بأنواع من تلك الأجناس المرتزقة التي إذا نزلت بأرض كانت نقمة على الفضيلة وعونًا على الرذيلة”.