أفشلَتْه الهزائم في الطرفين
البرتغاليون رتبوا للصفويين مخططًا للهجوم على المقدسات الإسلامية بهدف تدميرها
في الوقت الذي قُدِّر للعرب الأندلسيين السقوط على يد الإسبان عام (1492)، كان الصفويون يعقدون تحالفات إستراتيجية مع بقية الممالك الأوروبية: البرتغاليون والنمساويون، وكان هدفهم عرب الشرق، وكان أهمها ما سُمِّي لاحقًا بـ (حلف هابسبورغ الفارسي)، لقد كانت خيانة أخرى يحيكها الفرس ضد عرب الأندلس، الذين كانوا في تَوْق لأي مساعدة تأتي إليهم من الشرق المسلم كما تصوَّروا، لكن لم يكن مهمًّا بالنسبة للفرس، بل على العكس اغتنموا الفرصة على النقيض تمامًا من أماني مسلمي الأندلس.
خان الصفويون الأندلسيين بعكس أمانيهم من النصرة إلى المحاربة.
الخطر الذي شكَّله الصفويون على بيضة الإسلام وأراضي الجزيرة العربية تحديدًا أكبر مما نتخيل، فالصفويون لم يكونوا مجموعة متمرِّدة استولت على السلطة في إيران، بل دولة متطرفة، لديها أيديولوجية شرسة، يحرِّكها عَداء مستحكم ضد العرب، ووضعت العرب والمسلمين السُّنة أعداءً مباشرين لها، فقد شرَّعوا الوجود الأجنبي في البحار والبلاد العربية، بعقدهم اتفاقات مع البرتغال في الخليج العربي، وتفهُّمهم للوجود البرتغالي في البحر الأحمر، بل وصل الأمر بهم لعدم معارضتهم البرتغاليين الذين أبدوا في مراسلات رسمية مع الصفويين نيتهم احتلال مدينة جدة، وقصفها، ومن ثم تدمير مكة المكرمة.
الباحث حسين السبعاوي أشار في منشور له تحت عنوان “التحالف الفارسي الصليبي عبر التاريخ” قائلًا: “إن التحالف الفارسي الصليبي هو تحالف قديم، بدأ منذ ظهور الدين الإسلامي وانتشاره في الجزيرة العربية والشام ومصر والعراق، بمعنى منذ سقوط الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية الرومية على حدٍّ سواء، وعندما نتكلَّم عن الفرس نقصد الشعوب الفارسية من فرس ومغول وتتر، التي تحالفت مع الصليبيين ضد العرب والمسلمين”.
وهنا يؤكد الباحث قيام ثلاث تحالفات بين الفرس والصليبيين ضد العالم الإسلامي، كان من نتائجها تدمير البلاد العربية والإسلامية، وقتل مئات الآلاف من المسلمين، وكان من حظ العراق أن ناله الجزء الأكبر من الدمار والقتل والتشريد، نتيجة هذا التحالف المشؤوم، الذي كان من أبرز نتائجه سقوط الخلافة العباسية، واحتلال بغداد وتدميرها سنة (١٢٥٨م).
بدأ التحالف فعليًّا مع مطلع القرن السادس عشر إثر اتفاق الشاه اسماعيل الصفوي، وتحالُفه مع شارل الخامس إمبراطور النمسا خلال (١٥١٦–١٥١٩)، ثم انضم إلى هذا التحالف كارلوس الأول ملك إسبانيا، وأرسل مبعوثًا إلى الشاه إسماعيل يعرض عليه التحالف، بقيت المراسلات بينهما وإرسال المبعوثين حتى ردَّ الشاه إسماعيل على هذه الرسائل برسالة مكتوبة باللاتينية سنة (١٥٢٣) إلى شارل الخامس يعرض فيها تنسيق العمليات المشتركة بينهما، واستُؤنفت الاتصالات بين النمسا وبلاد فارس سنة (١٥٩٣) عندما أرسل الإمبراطور رودولف الثاني من براغ رسالة إلى الشاه عباس لغرض استئناف التحالف بينهما، وقد استمر هذا التحالف إلى سنة (1615).
أما تحالف الصفويين مع البرتغاليين فكان سنة (١٥٠٩)، عندما أرسل البوكيرك القائد البرتغالي مبعوثه جومير إلى الشاه إسماعيل، ومعه رسالة ذكر فيها: “إني أقدِّر احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة، وإذا أردت أن تنقضَّ على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة، أو في عدن، أو في القطيف”.
وجاءت أهم النتائج التي تمخَّضت عن التحالف الصفوي الصليبي بتراجع الدولة عن الفتوحات الإسلامية في أوروبا، واحتلال الأسطول البرتغالي لعُمان وبقية السواحل الخليجية، واحتلال بغداد من قِبَل الشاه إسماعيل الصفوي، وعقد اتفاقية بين البرتغال والصفويين سنة (١٥١٥)، كان من أبرز بنودها تقديم المساعدة للشاه من قِبَل الأسطول البرتغالي لاحتلال القطيف والبحرين، كما اعترف الشاه بسيطرة البرتغاليين على مضيق هرمز، وتوحيد القوتين في مواجهة أعدائهم المشتركين كما اتفقوا.
غير أن هذا التحالف انتهى بداية القرن الثامن عشر، عندما خسرت الدولة الصفوية عدة معارك، وانسحب البرتغاليون من الخليج العربي بعدما واجهوا مقاومة عُمان.
لذا يؤكد عبد العزيز المحمود في كتابه “عودة الصفويين” بأن العلاقة الوثيقة بين الأوروبيين، وخاصة البرتغاليين مع الصفويين، دفعتهم لعرض فكرة هجوم الشاه الصفوي على الأراضي المقدسة واقتلاعها تمامًا.
- باسم حمزة عباس، “إيران في عهد الشاه طهماسب الأول الصفوي 1524م-1576م”، مجلة الخليج العربي، المجلد (40)، ع 1، 2 (2012).
- خنجي أمير، إيران الصفوية (القاهرة: مكتبة النافذة، 2010).
- عبد العزيز المحمود، عودة الصفويين (القاهرة: مكتبة الإمام البخاري، 2007).