فخر العرب بـ "ذي قار"

أهمية معركة ذي قار ونتائجها

لذي قار أهمية بالغة من حيث مظاهرها القومية بين العرب والفرس، فقد أحدث العرب لأول مرة في التاريخ نتائج باعتبارها حدثًا جريئًا على لقاء الفرس في معركة لم يتوقع الفرس قوتها ضدهم، فقويت معنوياتهم. ومع أن عددًا من القبائل العربية كانت في جانب الفرس، غير أن شعورهم كان مع باقي قبائل العرب، وقد دل على ذلك خذلان بني إياد للجيش الفارسي في اللحظة الحاسمة من المعركة، وتضامن بنو سكون وبعض بني تميم مع بكر وشيبان ضدهم.

وعلى إثر ما كان الفرس يعتبرونه خذلانًا في يوم ذي قار، وكونه ردة فعل جعلت كسرى يُقْصِي إياس بن قبيصة عن حكم الحيرة، إذ اعتبره مسؤولا عن الهزيمة بوصفه القائد الأعلى للجيش المحارب فيها. ويظهر أنه قد هرب من المواجهة، كما تقول بعض الروايات العربية، إذ انفصل عن المعركة عندما أدرك الخسارة التي لحقت بجيشه، وذهب إلى كسرى، وأخبره أن النصر فيها للفرس، خوفًا من أن يخلع كتفه كما فعل بمن أتاه قبل ذلك بأخبار مشؤومة عنها ولاذ بالفرار، فحكم الفرس الحيرة حكمًا مباشرًا.

وقد افتخر العرب، وما زالوا يفتخرون بيوم ذي قار، ومما قال الأعشى فيه:

وجند كسرى غداة الحنو صبحهم … منا غطاريف ترجو الموت فانصرفوا

لقوا ململمة شهباء يقدمها … للموت لا عاجز فيها ولا خرف

فيها فوارس محمود لقاؤهم … مثل الأسنة لا ميل ولا كشف

لما أمالوا إلى النشاب أيديهم … ملنا ببيض فظل الهام يقتطف

وخيل بكر فما تنفك تطحنهم … حتى تولوا وكاد اليوم ينتصف

ذكر ياقوت الحموي في معجمه أن حنو ذي قار: هو من ذي قار على مسيرة ليلة، وذو قار: ماء لبكر بن وائل يقع قريبًا من الكوفة بينها وبين واسط.

ومن نتائج ذي قار أنه لما وصل جيش كسرى وحلفاؤهم من العرب أرسلت قبيلة إياد إلى هانئ: نحن قدمنا إلى قتالك مرغمين فهل نحضر إليك ونفرّ من جيش كسرى؟ فقال لهم: بل قاتلوا مع جنود كسرى واصمدوا إلينا أولاً ثم انهزموا في الصحراء، وإذ ذاك ننقض على جيش كسرى ونمزقهم.

وقدم الجيش الفارسي وحلفاؤهم من إياد فوجدوا جيش هانئ قد اعتصم بصحراء لا ماء فيها ولا شجر، وقد استقى هانئ لجيشه من الماء ما يكفيهم، فبدأ الفرس يموتون من العطش ثم انقضوا على جيش هانئ كالصواعق، وبينما هم في جحيم المعركة انهزمت قبيلة إياد أمام هانئ وانقضت على الفرس الذين حولها فضربت فيهم ومزقتهم، وقُتِلَ كل قادة فارس الذين أرسلهم كسرى لإحضار هانئ حيًّا، فلما رجعت بعض فلول الفرس إلى كسرى إذا هم كالفئران الغارقة في الزيت.

وكانت ساحة ذي قار أرضًا يغطي القطران كثيرًا من أرضها فلما رآهم كسرى على ذلك الشكل قال لهم: أين هانئ؟ وأين قياداتكم الذين لا يعرفون الفرار؟! فسكتوا، فصاح بهم، فقالوا: لقد استقبلنا العرب في صحرائهم فتهنا فيها ومات جميع القادة وخانتنا قبيلة إياد حين رأوا بني جنسهم، فكاد كسرى يفقد عقله ولم يمض عليه وقت قصير حتى مات حسرة فتولى مكانه ابنه شيرويه. وجاءت تلك الروايات والأحداث أيضًا في مؤَرَّخ ابن الأثير “الكامل في التاريخ”.

وخلاصة القول نتيجة حتمية تأكدت، هي هزيمة الفرس وضربة موجعة لكسرى، الذي لم يتمكن من استعادة هيبته على الجزيرة العربية والعرب.